25ـ من وصايا الصالحين: داعي الموت لا يقلع

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فقد جاء في التدوين في أخبار قزوين عن مورق العجلي رحمه الله قال: لما حضرت عبيد الله بن شداد بن الأزهر العبدي الوفاةُ، وكان مهاجراً، دعا ابنه محمداً في مرضه، فقال: يا بني إني أرى داعي الموت لا يُقلِع، ومن مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه يَنزِع، وإني أوصيك بتقوى الله، وليكن أولى الأمورِ بك الشكرُ لله مع حسنِ النيةِ في السرِّ والعلانية، واعلم أنَّ الشُّكرَ مُسْتَزاد، والتقوى خيرُ زادٍ، وكن يا بني كما قال الحُطيئة:

ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ *** ولكنَّ التقيَّ هو السعيدُ

وتقوى اللهِ خيرُ الزادِ ذُخراً *** وعندَ اللهِ للأتقى مَزِيدُ

وما لا بُدَّ أن يأتي قريبٌ *** ولكنَّ الذي يمضي بعيدُ

ثم قال: يا بني كُنْ جواداً بالمالِ في مواضعِ الحقِّ، بخيلاً بالأسرارِ عن جميعِ الخلقِ، فإن أَحْمَدَ جودِ الحُرِّ الإنفاقُ في وجهِ البِرِّ، والبُخلُ بمكنونِ السِّرِّ، كما قال قيس بن الخطمر الأنصاري:

أجودُ بمَضْنونِ التِّلادِ وإنَّني *** بسرِّكَ عمَّنْ سالني لَضَنِينُ

إذا جاوز الاثنينِ سِرٌّ فإنه *** يَنُثُّ وتكثيرُ الحديثِ قمينُ

وإنْ ضَيَّعَ الإخوانُ سِرّاً فإنَّني *** كتومٌ لأسرارِ العَشِيرِ أمينُ

التلاد: جمع تليد، والتالد هو المال القديم الأصلي الذي وُلد عند الإنسان. لضنين: لبخيل. ينُثُّ: النَّثُّ: هو نشر الحديث. قمين: القمين السريع والقريب، يعني: كثرة الحديث انتشاره سريع وقريب.

يا بني، لا تَزْهَدَنَّ في معروفٍ، فإنَّ الدهرَ ذو صروفٍ، فكم راغبٍ كانَ مَرْغوباً إليه، وطالبٍ كانَ مطلوباً ما لديه، وكن كما قال القائل:

وعُدَّ من الرحمنِ فضلاً ونعمةً *** عليكَ إذا ما جاءَ للخيرِ طالبُ

ولا تمنَعَنْ ذا حاجةٍ جاءَ راغِباً *** فإنَّكَ لا تدري متى أنتَ راغبُ

أقول: أيها الإخوة الكرام أسأل الله جل وعلا أن يكرمنا جميعاً بالتقوى، وخاصة في هذا الشهر المبارك، وأن تكون سريرتنا خيراً من علانيتنا، وأن يوفِّقنا لصون أسرار المسلمين، ولصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، وأن لا نزهد في صنع المعروف مهما أُسيء إلينا، وأن يجعلنا من الشاكرين عند الرخاء، ومن الصابرين عند البلاء، ومن الراضين بمرِّ القضاء، وأن يوفِّقنا للإنفاق مما تفضل الله عز وجل به علينا، وأن يسترنا ويستر أعراضنا. آمين. والحمد لله رب العالمين.

**     **     **