48ـ مشكلات وحلول: حلف والده بالطلاق إلا أن يحلق لحيته

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

سؤال: رجل حلف على ولده أن يحلق لحيته بالشكل التالي: أمك تكون طالقاً بالثلاثة إن لم تحلق لحيتك اليوم، فهل يجب على الولد طاعة والده؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى) رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديث آخر: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ) رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وفي حديث ثالث يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا المَجُوسَ) رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال الفقهاء: إطلاقُ اللحيةِ واجبٌ، وحلقُها حرامٌ، وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قولٌ عند الشافعية، لأنَّ حلقها مخالف لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها.

ثانياً: يجب على الوالدين تأديب الأولاد على حبِّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والتزام أوامره، وأن يذكِّروهم بقول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}. وأن يذكر الوالدان حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبِّ نبيكم، وحبِّ أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظلِّ الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه مع أنبياء الله وأصفيائه) قال في كشف الخفاء: رواه أبو النصر عبد الكريم بن محمد الشيرازي في فوائده، وابن النجار في تاريخه عن علي رضي الله عنه رفعه، قال المناوي: ضعيف.

ثالثاً: يجب على الوالدين الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، وأن يذكروا قول الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون}.

رابعاً: يجب على الأبناء أن يحفظوا حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: )لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ). رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للإمام أحمد: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).

وبناء على ذلك:

فيحرم على الأب أن بأمر ولده بحلق لحيته، وعليه أن يتذكَّر وقوفه يوم القيامة بين يدي الله تعالى، وأن يستحضر وقوفه أمام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فما هو قائل يوم القيامة لربه عز وجل، ولسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟

كما يحرم على الولد طاعة والده في هذا؛ لأنَّ الطاعة في معروف، ويجب على الولد أن يحسن صحبته مع والديه، وأن يعتذر إليهما بأسلوب لطيف وحسن إذا أمراه أو أحدهما بمعصيةٍ لله تعالى.

وما دام الأب حلف بالطلاق ثلاثاً إلا أن يحلق ولده لحيته، فعلى الولد أن يعلم بأنَّه إذا لم يحلق لحيته فإنَّ أمَّه تبين من أبيه بينونة كبرى، فلا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وفي هذه الحالة يرتكب أخفَّ الضررين، وذلك بحلق اللحية لمرة واحدة دفعاً لهذه المفسدة، فإذا حلق لحيته انحلَّ يمين الطلاق، ثمَّ يُطلِق لحيتَه، ويجب على الأب أن يعلم أنه لا مجال لطاعة مخلوق في معصية الخالق، فإذا حلف ثانية لا قدَّر الله تعالى، فليعلم بأنه هو الذي يضرُّ بنفسه ويضرُّ بزوجته وأولاده، فضلاً عن الإثم الذي يرتكبه.

أسأل الله تعالى أن يعزَّنا بالإسلام وأن يوفِّقنا أن لمتابعة الحبيب الأعظم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

**      **      **

تاريخ المقال:

الخميس: 26/محرم/1433 هـ الموافق: 20/كانون الثاني/2011م