34ـ من وصايا الصالحين: هلَّا اقتديتم بهذا الصحابي الجليل

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد روى الإمام أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جُلُوسًا فَقَالَ: إِنِّي لا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ، فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَمَّارٍ، وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ).

ولَمَّا اسْتُخْلِفَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتَّجِر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة رضي الله عنهما فقالا: أين تريد يا خليفة رسول الله؟

قال: السوق.

قالا: تصنع ماذا وقد وُلِّيْتَ أمورَ المسلمين؟

قال: فَمِن أين أُطعِمُ عيالي؟

فقالا: انطلق معنا حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما ففرضوا له كلَّ يومٍ شطرَ شاةٍ.

وجاء في الرياض النضرة: أن رِزْقَه الذي فرضوه له خمسون ومائتا دينار في السنة، وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارِعها، فلم يكن يكفيه ذلك ولا عياله، قالوا: وقد كان قد ألقى كلَّ دينار ودرهم عنده في بيت مال المسلمين، فخرج إلى البقيع فتصافق ـ بايع ـ .

فجاء عمر رضي الله عنه فإذا هو بنسوةٍ جلوسٍ، فقال: ماشأنُكنَّ؟ قلنَ: نريد خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقضي بيننا، فانطلق فوجده في السوق فأخذه بيده فقال: تعالَ هاهنا.

فقال: لا حاجة لي في إمارتكم، رزقتموني ما لا يكفيني ولا عيالي.

قال: فإنَّا نزيدك.

قال أبو بكر: ثلاثمائة دينار والشاة كلها.

قال عمر: أما هذا فلا.

فجاء علي رضي الله عنه وهما على حالهما تلك، قال: أكملها له، قال: ترى ذلك؟ قال: نعم، قال: قد فعلنا.

وانطلق أبو بكر رضي الله عنه فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس فقال: أيها الناس إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارِعُها، وإن عمر وعلياً كمَّلا لي ثلاثمائة دينار والشاة، أفرضيتم؟ فقال المهاجرون: اللهم نعم قد رضينا.

هذا هو إسلامنا، هذا هو ديننا، هكذا فهموا الولايةَ، وأمانةَ الحكم، فأين البشريةُ اليوم من أولئك الصحابة رضوان الله عليهم؟ يا عباد الله ولاية الدين والدنيا ليست مغنماً بل مغرم.

أخوكم أحمد النعسان يرجوكم دعوة صالحة

**      **      **