318ـ خطبة الجمعة: خير الفريقين من بدأ بوقف القتال

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

كُلُّنا يَعلمُ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وإنِّي أتَوَجَّهُ إلى المتقاتِلينَ في هذا البلدِ الحبيبِ حيثُ كَثُرَ فيه القتلُ، وسَفْكُ الدِّماءِ، وتَهديمُ البُيوتِ، وضَياعُ الأموالِ، لأقولَ لهُم:

خَيرُكُم من بَدَأَ بِوَقفِ القِتالِ، خَيرُكُم من رَحِمَ هذهِ الأمَّةَ التي تَضَرَّرَت بهذا القِتالِ أيَّما ضَرَرٍ، خَيرُكُم من كَفَّ عن القِتالِ وفوَّضَ أمرَهُ إلى الله تعالى، خَيرُكُم من سارَعَ إلى امتِثالِ أمْرِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائلِ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، اِرْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ من في السَّمَاءِ» رواه أبو داوود والترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها المتقاتِلونَ: أُناشِدُكُمُ اللهَ تعالى، كُفُّوا عن القِتالِ، وسَفْكِ الدِّماءِ، وتَهديمِ البُيوتِ، كُلُّنا راجِعٌ إلى الله تعالى، فما أنتُم قائِلونَ لله عزَّ وجلَّ؟

القَدَرُ مَمزوجٌ بالرَّحمةِ:

يا عباد الله، إنِّي أتَوَجَّهُ بعدَ ذلكَ إلى الأمَّةِ المَنكوبَةِ المَجروحَةِ في هذا البلدِ الحبيبِ من بلادِ الشَّامِ، وأرجو اللهَ تعالى أن تَكونَ أنظارُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ علينا، وأن تكونَ الأمَّةُ مَشمولةً بالرَّحمةِ المهداةِ رحمةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: اِحفَظوا قولَ العارِفِ بالله ابنِ عطاءِ الله السَّكَندَريِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى حيثُ يقول: مَن ظَنَّ انفِكاكَ لُطفِ الله عن قَدَرِهِ، فذلِكَ لِقُصورِ نَظَرِهِ.

اِعلَمي يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المجروحةَ بأنَّ ما يَنزِلُ بنا واللهِ مَمزوجٌ بالرَّحمةِ، وإلا كانَ الأمرُ أعظمَ من ذلكَ بكثيرٍ، فالحمدُ لله على هذه الحالِ وعلى كُلِّ حالٍ، ونعوذُ بالله تعالى من حالِ أهلِ النَّارِ.

أليسَ هذا هَدَفَكِ؟:

يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أليسَ هَدَفَكِ رِضا الله تعالى وتقولينَ: إلهي أنتَ مَقصودي ورِضاكَ مَطلوبي؟ أليسَ هَدَفَكِ الوُصولُ إلى الجنَّةِ؟ أليسَ هَدَفَكِ حُسنُ الخاتِمَةِ، والنُّطقُ بالشَّهادَتَينِ عندَ الموتِ؟

فإذا كانَ هذا هوَ الهَدَفَ، فاعلَمِي بأنَّ الطَّريقَ الموصِلَةَ إلى الجنَّةِ ليسَ مَفروشاً بالوُرودِ والرَّياحينِ والزُّهورِ، بل إنَّهُ مَحفوفٌ بالمَكارِهِ والشَّدائِدِ والمِحَنِ والمصائِبِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ قَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا وَإِذَا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ: وَعِزَّتِكَ قَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ، قَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَسْمَعَ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا».

يا مُريدَ الجنَّةِ: اِعلَم بأنَّ سِلعَةَ الله غالِيَةٌ، اِعلَم بأنَّ سِلعَةَ الله الجنَّةُ، حيثُ فيها النَّظَرُ إلى وَجهِهِ الكريمِ، قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة﴾. وفيها مُرافقةُ خِيرَةِ البَشَرِ، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً﴾.

هلَّا سَمِعَ الفريقانِ المتقاتِلانِ بهذا؟ هلَّا سَمِعَ الفريقانِ المتقاتِلانِ قولَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَخَيرُ الفريقَينِ من سَبَقَ صاحِبَهُ بالسَّلامِ، وتَرَكَ القِتالَ رحمةً بالأمَّةِ.

يا من جَعَلتَ هَدَفَكَ رِضا الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بالله﴾ وإيَّاكَ أن تسلُكَ طريقَ أهلِ النَّارِ التي جَعَلَ اللهُ تعالى وَقودَها النَّاسُ والحِجارَةُ، والتي قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فيها عندما سألَ جِبريلَ عنها: «يا جِبريلُ، ما لي أراكَ مُتَغَيِّرَ اللَّونِ؟» فقال: ما جِئتُكَ حتَّى أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِمَفاتيحِ النَّارِ، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يا جِبريلُ، صِف ليَ النَّارَ، وانعَت لي جَهَنَّمَ» فقالَ جِبريلُ: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أمَرَ بِجَهَنَّمَ فأوقِدَ عليها ألفَ عامٍ حتَّى ابيَضَّت، ثمَّ أمَرَ فأوقِدَ عليها ألفَ عامٍ حتَّى احمَرَّت، ثمَّ أمَرَ فأوقِدَ عليها ألفَ عامٍ حتَّى اسوَدَّت، فهيَ سوداءُ مُظلِمَةٌ لا يُضيءُ شَرَرُها، ولا يُطفَأُ لَهَبُها، والذي بَعَثَكَ بالحقِّ، لو أنَّ قَدْرَ ثُقْبِ إبرَةٍ فُتِحَ من جَهَنَّمَ لماتَ مَن في الأرضِ كُلُّهُم جميعاً مِن حَرِّهِ».رواه الطبراني في الأوسط عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

سوفَ تَنسى بُؤسَكَ في الدُّنيا إن شاءَ اللهُ تعالى:

يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِصبِري ما دامَ الهَدَفُ وُصولٌ إلى جنَّةٍ عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ، ومهما أصابَكِ من بُؤسٍ وشِدَّةٍ ومِحنَةٍ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا الفانِيَةِ فهوَ أمرٌ طبيعيٌّ، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين﴾.

فيا أيَّتُها الأمَّةُ الصَّابِرَةُ المحتَسِبَةُ المُنضَبِطَةُ بِضَوابِطِ الشَّريعةِ في الرَّخاءِ والشِّدَّةِ، في الأمنِ والخَوفِ، في الصِّحَّةِ والمَرَضِ، في الغِنى والفقرِ، سوفَ تنسَينَ هذا البُؤسَ وهذهِ الشَّدائِدَ عندما تُصبَغينَ بِصَبغةٍ في الجنَّةِ إن شاءَ اللهُ تعالى، أخرج الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا والله يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا والله يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ».

يا عباد الله، تَصَوَّروا رَجُلاً أسبَغَ اللهُ تعالى عليه نِعَماً لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فكانَ من أنعَمِ النَّاسِ في الدُّنيا، ولكن حَرَمَهُ اللهُ تعالى نِعمَةَ الإيمانِ، كيفَ حالُهُ عندما يُغمَسُ في النَّارِ غَمسةً واحِدَةً فينسى جميعَ النِّعَمِ ـ والعياذُ باللهِ تعالى ـ؟ وتَصَوَّروا العبدَ المؤمنَ الملتَزِمَ الذي عاشَ في الحياةِ الدُّنيا عِيشَةَ البائِسينَ مِلؤها الشَّدائِدُ والمِحَنُ والمصائِبُ، ولكنَّهُ مُنضَبِطٌ بِضَوابِطِ الشَّريعةِ، كيفَ حالُهُ عندما يُغمَسُ في نعيمِ الجنَّةِ غَمسةً واحِدَةً فَيَنسى بُؤسَهُ وشَقاءَهُ في الحياةِ الدُّنيا؟.

خاتمةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسن الخاتمة ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِعلَموا بأنَّ الأمورَ بِخَواتيمِها، واحفَظوا قولَ الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُون * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِين * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّون * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُون * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُون * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون﴾. وقولَ الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوَّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾.

لا تَحزَني يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما دُمتِ راضِيَةً بِقضاءِ الله تعالى وقَدَرِهِ، لا تَحزَني ما دُمتِ مُنضَبِطَةً بِضَوابِطِ الشَّريعةِ، واجعَلي هَمَّكِ واهتِمامَكِ أن تكوني من الفائِزينَ يومَ القيامةِ بِرِضا الله تعالى مع السَّابِقينَ الأوَّلينَ من المهاجِرينَ والأنصارِ، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾.

لا تَحزَني يا أمَّةَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على قَضاءٍ مُرٍّ وَقَعَ عليكِ لأنَّكِ تَعلمينَ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْراً مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ جَبَلُ أُحُدٍ أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَباً أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ الله مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

ولكن اجعَلي حُزنَكِ وبُكاءَكِ على إخوةٍ لنا يقتَتِلونَ، وبسببِ قِتالِهِم سُفِكَتِ الدِّماءُ البريئةُ، وهُدِّمَتِ البُيوتُ، وخُرِّبَتِ البلادُ، فَوِّضي أمرَكِ إلى الله تعالى، وسَليهِ أن يُميتَنا على الإيمانِ الكامِلِ، وقبلَ مَوتِنا أن يُوَفِّقَنا لأنْ نَعرِضَ إسلامَنا على الخلقِ جميعاً عَرضاً صحيحاً يُرضي اللهَ تعالى ورسولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنْ نَعرِضَ عَرضاً صادِقاً كما جاءَ به الذي قالَ عنهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.

وفي الخِتامِ: عَودٌ على بَدءٍ، أيُّها الفريقانِ المتقاتِلانِ تَخَلَّقوا بالأخلاقِ المُرضِيَةِ، فَخَيرُكُما من بَدَأَ بِوَقفِ القِتالِ رحمةً بأمَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ربيع الثاني/1434هـ، الموافق: 8/آذار / 2013م