77ـ كلمة شهر رجب 1434هـ: كلمات في الصبر

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قد قَرَأتُ كلماتٍ لبعضِ العارِفينَ بالله تعالى وهوَ يَتَحَدَّثُ عن الصَّبرِ والمصابَرَةِ، فَوَجَدتُ من خِلالِ ما اطَّلَعتُ عليهِ عن الصَّبرِ أنَّ هَذهِ الكَلِماتِ من أَفضَلِ الكَلماتِ التي قِيلَتْ عن الصَّبرِ، ولَعَلَّنا نَجِدُ في هذهِ الكَلِماتِ النَّابِعَةِ من قَلبٍ صَادِقٍ سُلوَانَاً لنا في هذهِ الأزمَةِ، يقولُ رَضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ:

الصَّبرُ تَحَمُّلٌ مُزِجَ بالأمَلِ، ومُكابَدَةٌ ومُعاناةٌ مع الرِّضا والطُّمَأنينَةِ، وانتِظارُ النَّتائِجِ المَنشودَةِ بِحِلمٍ وأَنَاةٍ، والنَّتائِجُ مَحْضُ تَفَضُّلٍ مِنَ الله تعالى الذي يُحِبُّ الصَّابِرينَ.

الصَّبرُ يَعنِي أنَّهُ لا مُساءَلَةَ للمُقَدِّرِ العَليمِ الخَبيرِ، ولا اعتِراضَ لِمَا قَدَّرَ وكيفَ قَدَّرَ؟ بل تَسلِيمٌ وانقِيَادٌ ومُتابَعَةُ عَمَلٍ، والجَزاءُ بَعدَ ذلكَ على هذا أنْ لا حِسَابَ للصَّابِرِ ولا مُساءَلَةَ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب﴾ والجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ.

الصَّبرُ مَناعَةٌ تَشتَدُّ وتَجعَلُ من الصَّابِرِ مُقاوِمَاً للمَصائِبِ والابتِلاءاتِ، وسَتَعجِزُ الأخيرَةُ عن أنْ تَنالَ من عَزيمَةِ الصَّابِرِ، أو مِن إيمانِهِ، أو مِن إنسانِيَّتِهِ ﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ «أَيْ بُنَيَّةُ، لَا تَبْكِينَ، فَإِنَّ اللهَ مَانِعٌ أَبَاكِ» رواه البيهقي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

عَجيبٌ أمْرُ هذا الحَرفِ (الصَّاد) فهوَ الذي يأتي أولاً في كَلِمَتَي (صَبر وصِدق) ويَتَحَرَّكُ لِيَكونَ في الوَسَطِ في كَلِمَتَي (وَصل وَوِصال) ثمَّ يَغدُو الأَخِيرَ في كَلِمَتَي (الإخلاصِ والخَلاصِ). فمن صَبَرَ بِصِدقٍ، وصَدَقَ بِصَبرٍ، جاءَهُ الوَصلُ، ومُنِحَ الوِصَالَ، فإن وُصِلَ أَضحَى بالمَحبُوبِ المَنشُودِ مُندَرِجاً: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ولا يَتِمُّ المُحافَظَةُ على الوِصَالِ إلا بالإِخلاصِ.

والإِخلاصُ: تَوَجُّهٌ خالِصٌ بالنِّيَّةِ والسُّلوكِ لِمَعبودِكَ، فهوَ الآمِرُ والنَّاهِي، وهوَ الذي لا يَنطِقُ اللِّسانُ إلا بهِ، ولا تَرى العَينُ سِواهُ، ولا يُسكِنُ القَلبَ إلا هُوَ.

فإن تَكَلَّمتُ لم أنطِقْ بِغَيرِكُمُ     ***     وإنْ سَكَتُّ فَشُغلي عَنكُمُ بِكُمُ

إلهِي نَعَّمتَنِي فَلَم تَجِدنِي شَاكِراً، وابتَلَيتَني فَلَم تَجِدني صَابِراً، فلا أنتَ أزَلتَ النِّعمَةَ بِتَركِ الشُّكرِ، ولا أنتَ أدَمتَ الشِّدَّةَ بِتَركِ الصَّبرِ، إلهي أَنتَ الكَريمُ ولا يَكونُ مِنَ الكَريمِ إلا الكَرَمُ.

اللَّهُمَّ أعطِنا أجرَ الصَّابِرينَ، وإن لم نَكُن حقَّاً صابِرينَ، لكنَّنا نَصبو وَنَسعى أن نُلحَقَ بِهِم يا ربَّ العالمينَ.

أخوكم أحمد شريف النعسان

         يرجوكم دَعوةً صالِحةً بظهرِ الغَيبِ

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/رجب/1434هـ، الموافق: 10/أيار / 2013م