328ـ خطبة الجمعة: يا تجار الأزمة (1)

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، يا أيَّتُها الأمَّةُ المَكلومَةُ الكَئيبَةُ الحَزينَةُ، أسألُكُم: لِمَ هذهِ الكَآبَةُ؟ ولِمَ هذا الحُزنُ؟ وأنتُم تَعلَمونَ بأنَّكُم ما خُلِقتُم في هذهِ الحياةِ الدُّنيا إلا للاختِبارِ والابتِلاءِ.

إنْ ضَاقت عليكُمُ الأرضُ بما رَحُبَت فاعلَموا بأنَّ اللهَ تعالى وَاسِعٌ عَليمٌ، وإنْ ضَاقت عليكُم أنفُسُكُم فاعلَموا بأنَّ اللهَ تعالى هوَ المُدَبِّرُ الحكيمُ، فلا تَضِيقُوا ذَرعاً ما دَامَ اللهُ تعالى واسِعاً عَليماً، مُدَبِّراً حَكِيماً.

أسئلةٌ لِتُجَّارِ الأزمَةِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من خِلالِ قَولِ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» رواه الشيخان عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. أتَوَجَّهُ إلى الإخوةِ الذينَ يُقالُ عنهُم تُجَّارُ الأزمَةِ، هؤلاءِ الذينَ يَستَغِلُّونَ الأزَماتِ لِزِيادَةِ أموالِهِم، أتَوَجَّهُ إلى هؤلاءِ الإخوةِ بِأسئِلَةٍ لِيَطرَحُوها على أنفُسِهِم:

السُّؤالُ الأوَّلُ: هل نُزِعَتِ الرَّحمَةُ من قُلوبِكُم ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟ فإنْ قُلتُم: نعم، فأقولُ لكم ـ وأنا ناصِحٌ أمينٌ إن شاءَ اللهُ تعالى ـ: اعلَموا بأنَّ الجزاءَ من جِنسِ العَمَلِ، كما تَدينُ تُدانُ، ومن لا يَرحَم لا يُرحَم، فإذا حُرِمتَ الرَّحمَةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ فلا تَلومَنَّ إلا نَفسَكَ.

السُّؤالُ الثَّاني: هل صارَ الدِّينارُ والدِّرهَمُ مَعبوداً لكم من دونِ الله تعالى ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟ وهل أصبَحتُم عَبِيداً للدِّينارِ والدِّرهَمِ ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟ فإنْ قُلتُم: نعم، فَأقولُ لكم: بِئسَ العَابِدُ والمَعبُودُ، وأُذَكِّرُكُم بقولِ الله تعالى في حقِّ مَن كَانَ هذا حالَهُ، عندما يقولُ هذا العبدُ في أرضِ المحشَرِ: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوه﴾.

السُّؤالُ الثَّالِثُ: هل أصبَحتُم خَدَماً للدِّينارِ والدِّرهَمِ، الذي خَلَقَهُ اللهُ تعالى خادِماً لكُم، وسَخَّرَهُ لكُم، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ﴾. ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟ فإنْ قُلتُم: نعم، فَأقولُ لكم: بِئسَ الخَادِمُ والمَخدُومُ، لقد تَعِبتُم في جَمْعِهِ، وتَعِبتُم في حِفْظِهِ، والحَسرَةُ العُظمى عندما تَقَعونَ في سِياقِ الموتِ، وأنتُم تَنظُرونَ إلى ما جَمَعتُم وسَتُخَوِّلونَهُ وَرَاءَ ظُهورِكُم، وسَتُقبِلونَ إلى عَالَمِ البَرزَخِ، وأنتُم صِفْرُ اليَدَينِ، وسَيقولُ أحَدُكُم ـ واللهُ تعالى أعلمُ ـ :﴿رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِين﴾.

هل تَحفَظونَ هذهِ الأحاديثَ الشَّريفَةَ يا تُجَّارَ الأزمَةِ؟:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنِّي أتَوَجَّهُ إلى تُجَّارِ الأزمَةِ وأقولُ لهُم: أنتُم ما زِلتُم إخوَةً لنا، وكُلُّنا بحاجَةٍ إلى نُصحٍ وتَذكيرٍ، فهل تَحفَظونَ هذهِ الأحاديثَ الشَّريفَةَ؟ وأظُنُّ أنَّكُم تَحفَظونَها، ولكنِّي سَأُذَكِّرُكُم بِهَا:

الحديثُ الأوَّلُ: روى الإمام مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي» قَالَ: «وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ».

بالله عليكُم يا تُجَّارَ الأزمَةِ، هل تَستَطيعونَ أن تأكُلوا أكثرَ ممَّا يَأكُلُ الفُقَراءُ؟ وهل تَستَطيعونَ أن تَلبَسوا أكثرَ ممَّا يَلبَسُ الفُقَراءُ؟ الطَّعامُ واحِدٌ وإنِ اختَلَفَتِ الأَصنافُ، واللِّباسُ واحِدٌ وإنِ اختَلَفَتِ الأصنافُ، والزَّائِدُ عن الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ سَتُسألونَ عنهُ، فحلالُ المالِ حِسابٌ، وحَرامُهُ عذابٌ.

الحديثُ الثَّاني: روى الشيخان عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ».

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، إذا انتَهى الأجَلُ سوفَ يُوَدِّعُكُمُ الأهلُ والمالُ عندَ شَفيرِ القَبرِ ويَرجِعونَ، ويَنزِلُ معَكُم عَمَلُكُم.

الحديثُ الثَّالِثُ: روى الإمام أحمد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ».

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، سوفَ تُسألونَ يومَ القيامَةِ عن المالِ من أينَ جاءَكُم؟ وفيمَ أنفَقتُموهُ؟

اللهُ تعالى قادِرٌ على مَحقِ ما في أيديكُم:

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، لا تَغتَرُّوا بما آتاكُمُ اللهُ تعالى، واعلَموا بأنَّ اللهَ تعالى قادِرٌ على مَحقِ ما في أيديكُم، فلا تَكُونوا كالذي قَصَّ اللهُ تعالى علينا نَبَأَهُ في القُرآنِ العظيمِ: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بالله إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنتَصِراً﴾. فلا تَقُلْ إن رأيتَ المَالَ الكَثيرَ الوَفيرَ بينَ يَدَيكَ كما قالَ هذا الرَّجُلُ: ﴿مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً﴾.

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، لا تَغتَرُّوا بما آتاكُمُ اللهُ تعالى، ولا تَكُونوا كأصحابِ الجَنَّةِ التي ذَكَرَها اللهُ تعالى في كتابِهِ العظيمِ بقولِهِ: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين * وَلا يَسْتَثْنُون * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم﴾. فلا تخافوا من المساكينِ، فإنَّهُم لن يأخُذوا من أرزاقِكُم شيئاً، لأنَّ رِزقَ الجَميعِ على الله تعالى.

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، لا تَغتَرُّوا بما آتاكُمُ اللهُ تعالى، ولا تَكُونوا كقَارونَ الذي خَسَفَ اللهُ به وبِدَارِهِ الأرضَ، عندما خَرَجَ على قَومِهِ في زِيَتِهِ وهوَ مَغرُورٌ مُعجَبٌ بالكُنوزِ التي آتاهُ اللهُ تعالى إيَّاها، قال تعالى في حقِّهِ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾.

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، أنتُم في اختِبارٍ وابتِلاءٍ، فلا تَغتَرُّوا بما آتاكُمُ اللهُ تعالى، وإنْ شَعَرتُم بأنَّ بعضَ خَلقِ الله بحاجَةٍ إليكُم فإيَّاكُم والاستِكبارَ عليهِم، فاللهُ تعالى هوَ مُحَوِّلُ الأحوالِ، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء واللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِين﴾.

اِسمَعوا يا تُجَّارَ الأزمَةِ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنِّي أتَوَجَّهُ إلى تُجَّارِ الأزمَةِ وأقولُ لهُم: اِسمَعوا يا تُجَّارَ الأزمَةِ، وأنا أتَكَلَّمُ على لسانِ الأمَّةِ المَنكُوبَةِ المَكلُومَةِ، على لِسَانِ الضُّعَفاءِ المُحتَاجينَ، على لِسَانِ المرضى والأرامِلِ واليَتَامى الجائِعينَ، على لِسَانِ أصحابِ الحاجَةِ من النَّازِحينَ، يا هؤلاءِ، اِعلَموا:

أولاً: الرَّزَّاقُ هوَ اللهُ تعالى: والعبدُ مَرزوقٌ وليسَ برَزَّاقٍ، قال تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون﴾. وقال تعالى: ﴿لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُون * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين﴾. فالرَّزَّاقُ هوَ اللهُ تعالى لا أنتُم، فَاعمَلُوا ما شِئتُم، وارفَعوا الأَسعارَ كما شِئتُم، وحَوِّلوا العُملَةَ السُّورِيَّةَ إلى عُملَةٍ أجنَبِيَّةٍ متى شِئتُم، فَرِزقُ العِبادِ على الله تعالى.

ثانياً: رِزقُنا على الله تعالى: فما دَامَ اللهُ تعالى هوَ الرَّزَّاقَ فَرِزقُنا عليهِ تعالى، وليسَ رِزقُ العِبادِ عليكُم، ولا على الحُكَّامِ، ولا على الأغنِياءِ، قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين﴾. وقال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُون﴾.

ثالثاً: رِزقُنا مَقسومٌ ومَحتومٌ: فَرِزقُنا مُقَدَّرٌ لن يَزيدَ بِحِرصٍ، ولن يَنقُصَ بِزُهدٍ ـ مع الأَخذِ بالأَسبابِ، لأنَّا أمَّةٌ مُتَوَكِّلَةٌ، وليست مُتَواكِلَةً ـ قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرَّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْبِ رِزقِةِ، وَأَجلِهِ، وَعمَلِهِ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ» مُتَّفَقٌ عليه عَنْ عَبْدِ الله ابن مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، اِطمَئِنُّوا بأنَّهُ لن يَموتَ أحَدٌ حتَّى يَستَكمِلَ رِزقَهُ وأجَلَهُ، وأنَّ مَا كَانَ للعَبدِ سَيَأتيهِ على ضَعفِهِ، وما كانَ لِغَيرِهِ فلن يَنالَهُ بِقُوَّتِهِ، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رُوْعِي أَنَّ نفْساً لَنْ تَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُم اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ الله، فَإِنَّ اللهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ» رواه الطبراني في الكبير عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أقولُ لكُم على لِسَانِ الأمَّةِ التي تَشكُو أَمرَها إلى الله تعالى: نحنُ آمِنونَ مُطمَئِنُّونَ على رِزقِنا، نحنُ صابِرونَ على ما قَدَّرَ اللهُ تعالى عَلينَا، ولن نَرفَعَ أمرَنا إلَّا إلى الله تعالى، ولكن ما أَنتُم قَائِلونَ لله تعالى غَداً يَومَ القِيامَةِ؟

اللَّهُمَّ قَنِّعنا بما رَزَقتَنا، وبَارِك لنا فيه، واخلُف علىنا كلَّ غائِبَةٍ لنا بِخَيرٍ، نَسألُكَ رِزقاً حَلالاً واسِعاً طَيِّباً مُبارَكاً من غَيرِ فِتنَةٍ ولا مِحنَةٍ يا ربَّ العالمينَ.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 8/رجب /1434هـ، الموافق:17/أيار / 2013م