1ـ دروس رمضانية: حتى تستحق خلافة الله في الأرض

 

 1ـ دروس رمضانية: حتى تستحق خلافة الله في الأرض

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: الإنسانُ الكامِلُ الذي يَستَحِقُّ أن يَكونَ خَليفَةَ الله تعالى في أرضِهِ ليسَ هوَ الإنسانَ المَخلوقَ المادِّيَّ المَحضَ، بل هوَ الإنسانُ الذي جَمَعَ إلى خَلقِهِ المادِّيِّ الخُلُقَ المَعنَوِيَّ المِثالِيَّ.

الإنسانُ المَخلوقُ المادِّيُّ مُكَرَّمٌ بالسِّرِّ الذي أودَعَهُ اللهُ تعالى فيه، قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين﴾. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم﴾. وهذا لا اختِيارَ للإنسانِ فيه.

أيُّها الإخوة الكرام: ربُّنا عزَّ وجلَّ الذي خَلَقَ الإنسانَ بِيَدَيهِ، ونَفَخَ فيهِ من رُوحِهِ، وأسجَدَ له ملائِكَتَهُ، ما تَرَكَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ سُدىً، بل أكرَمَهُ بِتَشريعٍ سما به فوقَ جميعِ المَخلوقاتِ، وجَعَلَهُ بهذا التَّشريعِ جامِعاً بينَ أجمَلِ خَلقٍ مادِّيٍّ، وأجمَلِ خُلُقٍ، فصارَ في أخلاقِهِ من حيثُ أقوالُهُ وأفعالُهُ فوقَ جميعِ المَخلوقاتِ، وكانَ من دُعاءِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ كما حَسَّنتَ خَلقِي فَأحسِن خُلُقِي» رواه البيهقي عن عَاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

تَكليفُ العبدِ بالخُلُقِ الحَسَنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا العَبدُ الذي خَلَقَهُ اللهُ تعالى فَسَوَّاهُ فَعَدَلَهُ، في أيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَهُ، كَلَّفَهُ بالخُلُقِ الحَسَنِ قَولاً وفِعلاً، قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً واللهُ غَنِيٌّ حَلِيم﴾.

ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

بَل جَعَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قاعِدَةً عَظيمَةً لهذا المَخلوقِ المُكَرَّمِ في الأخلاقِ، فمن تَحَلَّى بها واستَوعَبَها فهوَ الإنسانُ الحَضارِيُّ القادِرُ على بَسْطِ مَقولاتِهِ ومَنظوماتِهِ العقَدِيَّةِ والتَّشريعِيَّةِ والأخلاقِيَّةِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّكُم لا تَسَعونَ النَّاسَ بأموالِكُم، وليَسَعهُم مِنكُم بَسْطُ الوجهِ وحُسنُ الخُلُقِ» رواه الحاكم عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

فَضْلُ الخُلُقِ الحَسَنِ في القُرآنِ العَظيمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ربُّنا عزَّ وجلَّ بَيَّنَ لهذا الإنسانِ المُكَرَّمِ فَضْلَ الخُلُقِ الحَسَنِ الذي كَلَّفَهُ به ربُّنا عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ العَظيمِ:

قال تعالى مُشيراً إلى فَلاحِ هذا العبدِ صاحِبِ الخُلُقِ الحَسَنِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾.

ودَعاهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ إلى الجَنَّةِ الغالِيَةِ العالِيَةِ، وجَعَلَ ثَمَنَها الخُلُقَ الحَسَنَ، فقال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾.

وَوَصَفَهُ ربُّنا عزَّ وجلَّ بأنَّهُ من أحسَنِ النَّاسِ دِيناً، فقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾. لأنَّ صاحِبَ الدِّينِ إذا لم يُتَوِّجْ عِبادَتَهُ بالأخلاقِ الحَسَنَةِ كانَ مُنَفِّراً للعِبادِ من دِينِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾.

وأَعلَمَ ربُّنا عزَّ وجلَّ هَذا العَبدَ المُكَرَّمَ إذا أرادَ أن يَكونَ مَحبوباً عندَ الله تعالى، أن يَتَحَلَّى بالأخلاقِ الحَسَنَةِ، فقال تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾. والمُحسِنُ هوَ الذي يُعامِلُ الخَلقَ بالفَضْلِ والإحسانِ، لا بِالعَدْلِ والمِيزانِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: الخُلُقُ الحَسَنُ هوَ وَصْفُ الأنبِياءِ والمُرسَلينَ، قال تعالى في حَقِّ سيِّدِنا يوسُفَ عليه السَّلامُ عندما أثنى عليه النَّاسُ: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين﴾. وقال تعالى في حَقِّ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾.

الخُلُقُ الحَسَنُ هوَ وَصْفُ الصَّالِحينَ، قال تعالى فيهِم: ﴿ وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾. وقال تعالى في وَصْفِ عِبادِ الرَّحمنِ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: حُسنُ الخُلُقِ معَ النَّاسِ جِمَاعُهُ أَمرَانِ: بَذْلُ المَعروفِ قَولاً وفِعلاً، وكَفُّ الأذى قَولاً وفِعلاً.

أسألُ اللهَ تعالى الذي كَرَّمَنا فأحسَنَ خَلْقَنا، أن يُكرِمَنا بِحُسنِ الخُلُقِ في أقوالِنا وأفعالِنا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ رمضان/1434هـ، الموافق: 10/تموز / 2013م