4ـ دروس رمضانية: الرِّفق دليل على كمال الإيمان

 

 4ـ دروس رمضانية: الرِّفق دليل على كمال الإيمان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو دَقَّقنَا في شَرعِ الله تعالى لوَجَدنَاهُ مَبنيَّاً على الرِّفقِ، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾. ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يسِّرُوا وَلا تُعَسِّروا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ الله عنهُ.

ومِمَّا لا شكَّ فيهِ بأنَّ الدَّاعِيَ إلى الله عزَّ وجلَّ لا بُدَّ إلا وأن يكونَ رَفِيقَاً، وما أحسَنَ الإيمانَ يُزَيِّنُهُ العِلم، وما أحسَنَ العِلمَ يُزَيِّنُهُ العَمَلُ، ومَا أَحسَنَ العَمَلَ يُزَيِّنُهُ الرِّفقُ، ومَا أُضيفَ شَيءٌ إلى شَيءٍ مِثلَ حِلمٍ إلى عِلمٍ.

الرِّفقُ طَرِيقٌ مُوصِلَةٌ إلى الجَنَّةِ، وهوَ دلِيلٌ على كَمَالِ الإيمانِ وحُسنِ الإسلامِ، ويُثْمِرُ مَحَبَّةَ الله تعالى ومَحَبَّةَ النَّاسِ، وهُوَ دَليلٌ على صَلاحِ العَبدِ وحُسنِ خُلُقِهِ، ويُنَشِئُ مُجتَمَعاً سَالِمَاً منَ الغِلِّ والعُنفِ، وهو عُنوانُ سعادَةِ العَبدِ في الدَّارَينِ وهوَ يَزِنُ العبدَ وخاصَّةً إذا كانَ دَاعِياً إلى الله تعالى.

من صِفَاتِ الله تعالى الرِّفقُ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: مِن صِفَاتِ اللهِ تعالى الرِّفقُ، جاءَ في صحيحِ الإمام مُسلِم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ».

فإذا كانَ اللهُ تعالى الذي لا يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ رَفيقَاً بِخَلقِهِ، فكَيفَ لا يَكُونُ العَبدُ المَسؤولُ أمامَ الله تعالى رَفِيقَاً؟ لِذَا إذا رأيتَ إنسَانَاً عِندَهُ الرِّفقُ فاعلَم بِأنَّ رِفقَهُ دَليلٌ على كَمَالِ إيمانِهِ، والعَكسُ بِالعَكسِ.

الرَّفيقُ أرادَ اللهُ تعالى بهِ خيراً:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: إذا أرادَ اللهُ تعالى بأهلِ بَيتٍ خَيراً دَلَّهُم على بَابِ الرِّفقِ، وجَعَلَهُم يَتَخَلَّقُونَ بالرِّفقِ، روى الإمامُ مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضيَ الله عنهَا، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، ارْفُقِي، فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْراً دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ»

فهلَّا تَنَبَّهَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلى هذا في بَيتِهِ؟

وروى البَيهقيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضيَ الله عنهَا، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الرِّفقُ يُمنٌ ـ خَيرٌ وَبَرَكَةٌ ـ والخِرقُ شُؤمٌ، وإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْراً أَدْخَلَ عَلَيْهِم الرِّفْقَ».

الرِّفقُ يُحرِّمُ صَاحِبَهُ عنِ النَّار:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: مَن تَحلَّى بِخُلُقِ الرِّفقِ حَرُمَ على النَّارِ، وحَرُمَت عليهِ النَّارُ، روى الترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضيَ الله عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ، أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ».

 يَنَالُ الرَّفِيقُ دَعوَةَ سيِّدِنَا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: يَكفِي مَن تَحَلَّى بِصِفَةِ الرِّفقِ أنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ، روى الإمام مسلم عن عائِشَةَ رضيَ الله عنهَا قالَت: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».

صُوَرٌ مِن رِفقِ سيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: انظُرُوا إلى رِفقِ سيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضيَ الله عنهُ قال: أَنَّ أَعْرَابِيَّاً بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ.

فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ دَوْساً قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَأْتِ بِهِمْ».

وروى الإمام أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ، فَقَالَ لَهُمْ: ارْكَبُوهَا سَالِمَةً، وَدَعُوهَا سَالِمَةً، وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لِأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالْأَسْوَاقِ، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْراً لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ»

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوةُ الكرامُ: شَرعُنَا كُلُّهُ رِفقٌ، قال تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا﴾. فَمَن حَمَلَ هذا الشَّرعَ الشَّريفَ بِحَقٍّ، وصَارَ دَاعِيَاً لهُ لا شَكَّ أنَّهُ يَتَحَلَّى بِصِفَةِ الرِّفقِ، وإلا كانَ الإسلامُ حُجَّةً عليهِ يومَ القِيَامَةِ لا لَهُ.

أسألُ اللهَ تعالى أن يُكرِمَنَا بِخُلُقِ الرِّفقِ في خَلقِ الله أجمَعينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 4/رمضان /1434هـ، الموافق:13/تموز / 2013م