338ـ خطبة الجمعة: هذا رسولكم يا أمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم

 

 مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عِبادَ الله، روى الإمام مسلم عَن الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ ـ أي: خَرَقوا ثِيابَهُم وقَوَّرُوا وَسَطَها ـ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ ـ أي: فَتَغَيَّرَ ـ وَجْهُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِن الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾.

تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ـ حَتَّى قَالَ: ـ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».

 قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ـ أي: يَسْتَنِير فَرَحاً وَسُرُوراً ـ

فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».

هذا رسولُكُم يا أمَّةَ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يا عبادَ الله، لقد عَابَ اللهُ أَقواماً ما عَرَفوا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقال: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون﴾.

إذا أَعابَ اللهُ على هؤلاءِ القَومِ الذينَ ما عَرَفوا رَسولَهُم فَكَفروا به، ولم يُؤمِنوا به ولم يَتَّبِعوهُ، فهل يَليقُ اليَومَ بالمُسلِمينَ أن يَجهَلوا رسولَهُمُ المُصطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أيُّها الإخوة الكرام: أتَوَجَّهُ إلى هذهِ الأمَّةِ في هذا البَلَدِ وأقولُ لهُم:

تَعَرَّفوا على رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَاوِلوا أن تَنتَهِجوا نَهجَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخَاصَّةً في هذهِ الأزمَةِ.

أتَوَجَّهُ إلى أهلِ هَذا البَلَدِ لا إلى غَيرِهِ، لأقولَ لهُم: لا تَنتَظِروا خَيراً من حُكَّامِ العَرَبِ والمسلِمينَ لِحَلِّ الأزمَةِ التي يَمُرُّ بها هذا القُطرُ الحَبيبُ، لأنَّهُ لو كانَ فِيهِم خَيرٌ لَرَأيناهُ مُنصَبَّاً على إخوَتِنا في فلسطين الحَبيبَة، وما دَامَتِ الأمَّةُ لم تَرَ مِنهُم خَيراً لأهلِ فِلسطِين الذينَ قُهِروا من اليَهودِ، فلا تَتَوَقَّعوا مِنهُم خَيراً لأهلِ سُوريا.

أمَّا عن دُوَلِ الغَربِ فمن بَابِ أَولى وأَولى أن لا تَتَوَقَّعوا منهُم خَيراً في هذهِ الأزمَةِ، وخاصَّةً من قِبَلِ اليَهودِ والنَّصارى الذينَ قالَ اللهُ فيهِم: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

أتَوَجَّهُ إلى عُقَلاءِ هذا البَلَدِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنِّي أتَوَجَّهُ إلى عُقَلاءِ الأمَّةِ في هذا البَلَدِ، إلى المؤمنينَ، إلى أصحابِ الشَّأنِ منهُم، ألا تَرَونَ إلى حالِ هذهِ الأمَّةِ، ماذا تَنتَظِرونَ؟

أَمَا تَحَرَّكَتِ العاطِفَةُ في قُلوبِكُم نحوَ أمَّتِكُم، أما آنَ لكُم أن تَتَأسَّو بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

إنَّ سَيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ انفَعَلَ انفِعالاً وُجدانِيَّاً نحوَ أصحابِ الحاجَةِ، تَغَيَّرَ وجهُهُ الشَّريفُ رحمَةً بهِم، دَخَلَ بيتَهُ لِمُساعَدَتِهِم فلم يَجِدْ شيئاً، فَدَعا النَّاسَ إلى المُواساةِ، وحَثَّهُم على ذلكَ بأسلوبٍ رائِعٍ، طَلَبَ منهُمُ البَذلَ في حُدودِ اليُسرِ والاستِطاعَةِ، حتَّى لا يَعتَذِرَ أحَدٌ منهُم، وحتَّى لا يَخجَلَ منهُم مُقِلٌّ بما يُقَدِّمُ.

أتَوَجَّهُ لأهلِ هذا البَلَدِ، ولأصحابِ الشَّأنِ خاصَّةً، ولمن يَتَقاتَلونَ، وأقولُ لهُم: جاعَتِ الأمَّةُ وعَطِشَت وتَعِبَت وأُرهِقَت، ألا تَرَونَ إلى ما حَلَّ بالأمَّةِ؟

يا هؤلاءِ: إنَّ ربَّنا عزَّ وجلَّ قادِرٌ على إنهاءِ هذهِ الأزمَةِ بأقلَّ من طَرفَةِ عَينٍ، ولكن لِحِكمَةٍ يُريدُها اللهُ تعالى، ولكن: ﴿الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد﴾. ولكن: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون﴾.

ربُّنا عزَّ وجلَّ يُريدُ أن يَختَبِرَ العِبادَ، يُريدُ أن يُظهِرَ معادِنَ النَّاسِ، يُريدُ أن يُظهِرَ المُتَّبِعَ من المُبتَدِعِ.

لم يَرضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يَجوعَ حَيوانٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَأَلَّمَ عِندَما رأى مُضَرَ جَائعَةً عارِيَةً مُحتاجَةً، وهذا ليسَ بِغَريبٍ عن سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، كيفَ لا يَتَأَلَّمُ عليهِم، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لم يَرضَ من النَّاسِ أن يُجِيعُوا حَيواناً ويُتعِبوهُ.

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لَا أُخْبِرُ بِهِ أَحَداً أَبَداً، وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ فِي حَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ يَوْماً حَائِطاً مِنْ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ قَدْ أَتَاهُ فَجَرْجَرَ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.

قَالَ بَهْزٌ وَعَفَّانُ: فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَمَسَحَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ فَسَكَنَ.

فَقَالَ: «مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟»

فَجَاءَ فَتىً مِن الْأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ الله.

فَقَالَ: «أَمَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللهُ، إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

يا أَصحَابَ الشَّأنِ، يا مَن      مَلَّكَكُمُ اللهُ تعالى رِقابَ النَّاسِ، تَذَكَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون﴾.

يا أصحابَ الشَّأنِ، هذا هوَ رسولُكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، تَأَلَّمَ لِجوعِ حَيوانٍ، وخَاطَبَ مالِكَهُ وقالَ لهُ: «أَمَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللهُ، إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

يا أصحابَ الشَّأنِ، اِتَّقوا اللهَ في الأمَّةِ، إنَّكُم تَرَونَ ما حَلَّ بهذهِ الأمَّةِ، لقد جاعَتِ الأمَّةُ وعَطِشَت وتَعِبَت، ونَزَحَت، يُتِّمَ الأطفالُ، ورُمِّلَتِ النِّساءُ، وجاعَ الأطفالُ، وفُقِدَ الدَّواءُ، وهُدِّمَتِ البُيوتُ.

هل نُزِعَتِ الرَّحمَةُ من القُلوبِ، والرَّحمَةُ لا تُنزَعُ إلا من الأشقِياءِ؟

تَذَكَّروا يا عبادَ الله بأنَّ مَصيرَ الجَميعِ إلى المَوتِ، وبعدَ المَوتِ حَشرٌ وعَرضٌ للأعمالِ، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾. فهل الأعمالُ التي نَقتَرِفُها تُبَيِّضُ الوُجوهَ، أم تُسَوِّدُها؟

ربَّى سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُجَّارَ الآخِرَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ربَّى سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُجَّارَ آخِرَة، لا تُجَّارَ أزَماتٍ، ما ربَّى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُجَّاراً إذا غَلَتِ الأَسعارُ فَرِحُوا، وإذا فُقِدَتِ البَضائِعُ فَرِحُوا، وإذا جَاعَتِ الأمَّةُ فَرِحوا، بَل ربَّى تُجَّاراً يَتَعامَلونَ معَ الله بَاعوا أَنفُسَهُم وأَموالَهُم لله عزَّ وجلَّ.

هذا سيِّدُنا عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنهُ في عامِ الرَّمادَةِ زَمَنَ سيِّدِنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ النَّاسُ لسيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عنهُ: يَـا خـليفَةَ رَسُولِ الله، إنَّ السَّماءَ لَم تُمطر، وإنَّ الأرضَ لم تُنبِت، وقَد أَشرَفَ النَّاسُ على الهَلاكِ، فَمَا نَصنَع؟ فَنَظَرَ إليهِم عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ بِوَجهٍ عَصَرَهُ الهَمُّ عَصراً وقال: اصبِرُوا واحتَسِبُوا، فإني أَرجو ألا تُمْسُوا حتَّى يُفَرِّجَ اللهُ عَنكُم.

فلمَّا كَانَ آخِرُ النَّهارِ، وَرَدَتِ الأخبارُ بأنَّ عِيرَاً لعُثمانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ جَاءَت مِنَ الشَّامِ وأَنَّهَا سَتَصِلُ المَدِينَةَ عندَ الصَّبَاحِ.

فَمَا أَن قُضِيَت صَلاةُ الفَجرِ حتَّى هَبَّ النَّاسُ يَستَقبِلُونَ العِيرَ جَمَاعَةً إِثرَ جَمَاعَة، وانطَلَق التُّجَّارُ يَتَلَقَّونَهَا، فإذا هيَ ألفُ بَعِيرٍ قَد وَسَقَت ـ أي حَمَلَت ـ بُرَّاً وزَيتاً وزَبيباً، أناخَت العِيرُ بِبَابِ عُثمانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وطَفِقَ الغِلمَان يُنـزِلُونَ عَنها أَحمَالَهَا، فَدَخَلَ التُّجَّارُ على عُثمانَ وقالوا: بِعنَا مَا وَصَلَ إليكَ يا أَبَا عَمرُو.

فقال: حُبَّاً وكَرَامَةً، ولكِن كَم تُربِحُونَنِي على شِرَائِي.

فَقَالوا: نُعطِيكَ بالدِّرهَمِ دِرهَمَينِ.

فقال: أُعطِيتُ أكثرَ من هَذا.

فزادوا له، فقال: أُعطيتُ أكثرَ مِمَّا زِدتُمُوهُ.

فَزَادُوا لَهُ، فقال: أُعطيتُ أكثرَ من هَذا.

فقالوا: يا أبا عَمرو: ليسَ في المَدينة تُجَّارٌ غَيرُنا، ومَا سَبَقَنَا إليكَ أَحَدٌ، فَمَن الذِي أَعطَاكَ أَكثرَ مِمَّا أَعطَينَا؟.

قال: إنَّ الله أَعطَانِي بِكُلِّ دِرهَمٍ عَشَرَةً فَهَل عِندَكُم زِيَادَةً؟.

قالوا: لا يَا أَبَا عَمرُو.

فقال: إِنِّي أُشهِدُ اللهَ أَنِّي جَعَلتُ مَا حَمَلت هذِهِ العِيرُ صَدَقَةً على فُقَراءِ المُسلِمِينَ، لَا أَبتَغِي مِن أَحَدٍ دِرهَمَاً ولا دِينَارَاً، وإِنَّمَا أَبتَغِي ثَوَابَ الله ورِضَاهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: أينَ تُجَّارُ الآخِرَةِ في هذهِ الأزمَةِ؟ أينَ الذينَ يَدَّعونَ مَحَبَّةَ الله تعالى ومَحَبَّةَ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

يا تُجَّارَ الأزمَةِ، كُونوا على يَقِينٍ بأنَّ هَذهِ الأزمَةَ لن تَدومَ ولو طَالَت ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ وكونوا على يَقينٍ بأنَّا جَميعاً سَنَخرُجُ من الدُّنيا، وكُونوا على يَقينٍ من قَولِهِ تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

يا عِبادَ الله، ما جَرى يَكفينا، أينَ عُقَلاءُ هذهِ الأمَّةِ لِيَقوموا بالإصلاحِ بينَ المُتَقاتِلينَ، أينَ المُصلِحونَ، أينَ هُمُ الحَريصونَ على هذا البَلَدِ وأهلِهِ؟

وأمَّا أنتُم يا سَوادَ هذهِ الأمَّةِ، اِصبِروا وصَابِروا حتَّى تَلقَوا سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الحَوضِ.

وأقولُ للأمَّةِ كُلِّها: هَذا هوَ رَسُولُكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهَل عَرَفتُموهُ؟.

 اللَّهُمَّ رُدَّنا إليكَ رَدَّاً جميلاً. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/رمضان /1434هـ، الموافق: 26/تموز / 2013م