80 ـ كلمة شهر شوال1434هـ : جمع له خمس خصال محمودة

 

 80 ـ كلمة شهر شوال1434هـ : جمع له خمس خصال محمودة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يَقولُ الإمامُ الغزالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الحَليمُ هوَ الذي يُشاهِدُ مَعصِيَةَ العُصاةِ، ويَرَى مُخالَفَةَ الأمرِ، ثمَّ لا يَستَفِزُّهُ غَضَبٌ، ولا يَعتَريهِ غَيظٌ، ولا يَحمِلُهُ على المسَارَعَةِ إلى الانتِقامِ معَ غَايَةِ الاقتِدارِ عَجَلَةٌ وطَيشٌ. اهـ.

ومن حِلمِ الله تعالى تأخيرُ العُقوبَةِ عن المُستَحِقِّ لها، فَيُؤَخِّرُ العُقوبَةَ عن بَعضِ االمُستَحِقِّين، ثمَّ قد يُعَذِّبُهُم، وقد يَتَجاوَزُ عنهُم، وقد يُعَجِّلُ العُقوبَةَ لِبَعضِهِم ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد﴾. ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون﴾.

ومن حِلمِ الله تعالى أنَّهُ قد يُصيبُ بَعضَ العُصاةِ بِمُصيبَةٍ لِيُطَهِّرَهُم بها، ثمَّ يَعفو عن كثيرٍ، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾.

ومن حِلمِ الله تعالى أنَّهُ لا يُعجِّلُ على العاصينَ العُقوبَةَ والانتِقامَ بعدَ المَعصِيَةِ، بل يُمهِلُهُم، ويَدعوهُم إلى التَّوبَةِ، فإن تابوا قَبِلَ تَوبَتَهُم، وبَدَّلَ سَيِّئاتِهِم حَسَناتٍ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾.

الحِلمُ بالتَّحَلُّمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: قد يَكونُ الحِلمُ سَجِيَّةً وطَبيعَةً في الإنسانِ، وقد يَكونُ بالمُجاهَدَةِ والتَّكَلُّفِ، وقد يَكونُ مُرَكَّباً مِنهُما، فَيَكونُ حليماً بالطَّبيعَةِ والفِطرَةِ، ومعَ ذلكَ يُجاهِدُ نَفسَهُ لِيَسمُوَ إلى المَقاماتِ العُليا من الحِلمِ.

إذا أحسَنتَ لمن أحسَنَ إليكَ، وحَلُمتَ عمَّن لم يُؤذِكَ فأنتَ لستَ حَليماً، ولستَ مُحسِناً، بل أنتَ مُكافِئٌ لمن أحسَنَ إليكَ بالإحسانِ، ولمن لم يُؤذِكَ بالحِلمِ.

يَقولُ ابنُ حِبَّان رَحِمَهُ اللهُ تعالى: والنَّاسُ بالنِّسبَةِ للمَرءِ ضُروبٌ ثلاثَةٌ: رَجُلٌ أعَزُّ منكَ، ورَجُلٌ أنتَ أعَزُّ منهُ، ورَجُلٌ ساواكَ في العِزِّ.

فالتَّجاهُلُ على من أنتَ أعَزُّ منهُ لُؤمٌ، وعلى من هوَ أعَزُّ منكَ جَنَفٌ، وعلى من هوَ مِثلَكَ هراشٌ كهراشِ الكَلبَينِ، ونِقارٌ كنِقارِ الدِّيكَينِ، ولا يَفتَرِقانِ إلا عن الخَدْشِ، والعقرِ، والهجرِ، ولا يَكادُ يُوجَدُ التَّجاهُلُ، وتركُ التَّحالُمِ إلا من سَفيهَينِ، وقد قِيلَ:

مـا تَـمَّ حِلـمٌ ولا عِـلمٌ بلا أدَبٍ   ***   ولا تَجاهَلَ في قَومٍ حَليمانِ

ومـا التَّجاهُلُ إلا ثَوبُ ذي دَنَسٍ   ***   وليسَ يَلبَسُهُ إلا سَـفيهانِ

فالواجِبُ على العاقِلِ إذا غَضِبَ واحتَدَّ أن يَذكُرَ كَثرَةَ حِلمَ الله تعالى عنهُ معَ تواتُرِ انتِهاكِهِ مَحارِمَهُ، وتَعَدِّيهِ حُرُماتِهِ. اهـ.

وقالَ محمَّدُ السَّعدِيُّ لابنِهِ عُروَةَ لمَّا وُلِّيَ اليَمَنَ: إذا غَضِبتَ فانظُر إلى السَّماءِ فَوقَكَ، وإلى الأرضِ تَحتَكَ، ثمَّ عَظِّم خالِقَهُما.

جُمِعَ له خَمسُ خِصالٍ مَحمودَةٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: عن عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ رَجُلاً سَبَّهُ، فَرَمَى إليه بِخَميصَةٍ كانَت عليهِ، وأمَرَ لهُ بألفِ دِرهَمٍ.

فقالَ بَعضُهُم: جُمِعَ له خَمسُ خِصالٍ مَحمودَةٍ: الحِلمُ، وإسقاطُ الأذى، وتَخليصُ الرَّجُلِ مِمَّا يُبعِدُهُ عن الله عزَّ وجلَّ، وحَملُهُ على النَّدَمِ والتَّوبَةِ، ورُجوعُهُ إلى مَدحٍ بَعدَ الذَّمِّ، اشتَرى جَميعَ ذلكَ بِشَيءٍ من الدُّنيا يَسيرٍ. من إحياء علوم الدين.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

الحِلمُ دَليلٌ على كَمالِ العَقلِ وسَعَةِ الصَّدرِ، وسَبَبٌ لِتَآلُفِ القُلوبِ ونَشرِ المَحَبَّةِ بينَ النَّاسِ، ويُزيلُ البُغضَ ويَمنَعُ الحَسَدَ.

نَسألُكَ اللهُمَّ الحِلمَ الذي يُرضيكَ عنَّا. آمين.

أخوكم أحمد شريف النعسان

         يرجوكم دَعوةً صالِحةً بظهرِ الغَيبِ

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/شوال /1434هـ، الموافق: 8 /آب / 2013م