﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾.

10832 - ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾.

25-12-2020 530 مشاهدة
 السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10832
 2020-12-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.

لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ في الجَاهِلِيَّةِ يَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ، وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا، ثُمَّ يَتْرُكُهَا خَالِيَةَ الوِفَاضِ، يَعْنِي فَقِيرَةً، فَذَكَرَ اللهُ تعالى ضَرُورَةَ إِعْطَاءِ المُهُورِ التي فُرِضَتْ وَقُدِّرَتْ وَقْتَ العَقْدِ، وَقَدْ سَمَّاهَا اللهُ تعالى هُنَا أَجْرًا، وَالأَجْرُ هُوَ الجَزَاءُ عَلَى مَا قَدَّمَ الإِنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَى العَطَاءِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تعالى:﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنون﴾. لِأَنَّ اقْتِرَانَ كَلِمَةِ الأَجْرِ بِعَدَمِ المَنِّ يُرَشَّحُ لِأَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِهَا العَطَاءَ، إِذْ هُوَ الذي يَجْرِي فِيهِ المَنُّ وَالأَذَى، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ في كَلِمَةِ الأَجْرِ هُنَا هُوَ الجَزَاءُ، وَقَدْ يُقَالُ: لِمَاذَا عَبَّرَ هُنَا بِالأَجْرِ، وَفِي أَصْلِ فَرْضِيَّةِ المَهْرِ بِمَا يُفِيدُ أَنَّهُ عَطَاءٌ، فَقَدْ قَالَ تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾؟

وَالجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الآيَاتِ التي بَيَّنَتْ أَصْلَ الوُجُوبِ تُبَيِّنُ القَصْدَ مِنَ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ هَدِيَّةً وَاجِبَةً لِبَيَانِ شَرَفِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، وَللمَعَانِي التي شُرِعَ مِنْ أَجْلِهَا المَهْرُ، أَمَّا الآيَاتُ التي سَمَّتِ المَهْرَ أَجْرًا فَهِيَ لِبَيَانِ الأَدَاءِ بَعْدَ أَنْ تَأَخَّرَ عَنْ مِيقَاتِهِ، فَلِتَأْكِيدِ الأَدَاءِ سُمِّيَ أَجْرًا، وَأَصْبَحَ المُؤَدِّي غَيْرَ جَدِيرٍ بِأَنْ يُسَمَّى مُعْطِيًا أَو نَاحِلًا أَو مَانِحًا.

لِأَنَّ الأَصْلَ في المَهْرِ أَنْ يُدْفَعَ كَامِلًا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا هُوَ المُسْتَحَبُّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾.

وَهَذَا النَّصُّ القُرْآنِيُّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَقَالُوا: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ المُتْعَةِ، وَهُوَ عَقْدٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ يَسْتَمْتِعُ بِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً في نَظِيرِ مَهْرٍ مَعْلُومٍ، أَو في نَظِيرِ أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَلَو تَخَلَّفَتِ المَرْأَةُ في بَعْضِ المُدَّةِ وَلَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا نَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا، أَو بِالأَحْرَى مِنْ أُجْرَتِهَا وَالنَّصُّ بَعِيدٌ عَنْ هَذَا المَعْنَى الفَاسِدِ بُعْدَ مَنْ قَالُوهُ عَنِ الهِدَايَةِ، لِأَنَّ الكَلَامَ كُلَّهُ في عَقْدِ الزَّوَاجِ، فَسَابِقُهُ وَلَاحِقُهُ في عَقْدِ الزَّوَاجِ، وَالمُتْعَةُ حَتَّى عَلَى كَلَامِهِمْ لَا تُسَمَّى عَقْدَ نِكَاحٍ أَبَدًا.

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. الجُنُوحُ مَعْنَاهُ المَيْلُ، وَالجُنَاحُ الإِثْمُ، وَالفَرِيضَةُ المَهْرُ المُقَدَّرُ، وَالتَّرَاضِي مِنْ بَعْدِهِ إِمَّا عَلَى زِيَادَتِهِ، وَإِمَّا عَلَى نَقْصِهِ، وَالمَعْنَى لَا مَيْلَ إلى الإِثْمِ في الأَمْرِ الذي تَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ المَهْرِ الذي سَمَّيْتُمُوهُ وَفَرَضْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَلْتَزِمُوا بِمَا الْتَزَمْتُمْ مِنْ بَعْدِ العَقْدِ، قَلِيلًا كَانَ أَو كَثِيرًا، مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا تَرَكَتْ بَعْضَ مَهْرِهَا مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطِيبِ نَفْسِهَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾. فَلَا بُدَّ مِنْ طِيبِ النَّفْسِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ لَا حُجَّةَ فِيهَا عَلَى إِبَاحَةِ نِكَاحِ المُتْعَةِ، بَلِ الاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى المُتْعَةِ نَوْعٌ مِنْ تَحْرِيفِ الكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، لِأَنَّ سِيَاقَ الآيَاتِ الكَرِيمَاتِ كُلِّهَا يَتَحَدَّثُ عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تعالى المُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. إلى أَنْ قَالَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ﴾. فَالسِّيَاقُ كُلُّهُ في النِّكَاحِ.

وَالآيَةُ الكَرِيمَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَزِمَهُ مَهْرُهَا. هذا، والله تعالى أعلم.

530 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2023-11-23
 4055
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)؟
 السؤال :
 2023-09-17
 3775
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَضَ إِحْضَارَ كِتَابٍ أَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ للأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ؟
 السؤال :
 2023-08-07
 3207
مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ»؟
 السؤال :
 2023-02-25
 3441
مَا صِحَّةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ»؟ وَمَا مَعْنَاهُ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 1898
لَقَدِ انْتَشَرَتْ في صُفُوفِ النِّسَاءِ الأَحَادِيثُ المَكْذُوبَةُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قِبَلِ بَعْضِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَتَظَاهَرْنَ بِأَنَّهُنَّ دَاعِيَاتٌ إلى اللهِ تعالى، فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟
 السؤال :
 2022-09-09
 3663
هُنَاكَ بَعْضُ المُشَكِّكِينَ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُونَ: أَيْنَ المُسَاوَاةُ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ»؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3154
المكتبة الصوتية 4763
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411980458
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :