الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مَالِكٌ فِي المُوَطَّأِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَصَلَّيْتُ وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ. فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهذِهِ الآيَةِ: ﴿رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيَّامَ الرِّدَّةِ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ المَغْرِبِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ، وَكَانَتْ هَذِهِ القِرَاءَةُ بِمَنْزِلَةِ القُنُوتِ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ عَظَمَةِ ارْتِدَادِ العَرَبِ فِي نَفْسِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَكَيْفَ زَاغَتْ قُلُوبُ بَعْضِ الخَلْقِ بَعْدَ أَنِ اهْتَدَوْا.
وَكَانَتْ هَذِهِ القِرَاءَةُ مِنَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ دَلِيلًا عَلَى فِقْهِهِ العَمِيقِ، وَخَوْفِهِ مِنَ الفِتَنِ الَّتِي عَصَفَتْ بِالنَّاسِ أَيَّامَ الرِّدَّةِ
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالدُّعَاءُ مِنَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ المَغْرِبِ ثَابِتٌ كَمَا جَاءَ فِي المُوَطَّأِ، وَكَانَ هَذَا أَيَّامَ الرِّدَّةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الصِّدِّيقِ الرَّاسِخِ فِي الإِيمَانِ فَنَحْنُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى أَنْ نُحَافِظَ عَلَى ذَلِكَ، وَخَاصَّةً أَيَّامَ الفِتَنِ، لِأَنَّ القَدَمَ قَدْ تَزِلَّ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ﴿رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾. اللَّهُمَّ آمِينَ آمِينَ آمِينَ.
وَلَوْ قَرَأْتَ هَذِهِ الآيَةَ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ، أَوْ بِنِيَّةِ التِّلَاوَةِ، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. هذا، والله تعالى أعلم.