صلاة الظهر يوم الجمعة

13601 - صلاة الظهر يوم الجمعة

28-04-2025 392 مشاهدة
 السؤال :
نَرَى بَعْضَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنْ صَلَاةِ السُّنَّةِ البَعْدِيَّةِ يَقُومُونَ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ، فَهَلْ هَذَا الفِعْلُ جَائِزٌ شَرْعًا، أَمْ هُوَ بِدْعَةٌ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13601
 2025-04-28

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ صَلَاةِ الجُمُعَةِ، أَنْ لَا تَتَعَدَّدَ الجُمُعَةُ فِي البَلَدِ الوَاحِدِ، وَمِنْ زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لَمْ تَكُنِ الجُمُعَةُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَإِحْدَاثُ جُمُعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا.

يَقُولُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَالْمَقْصُودُ بِالْجُمُعَةِ اجْتِمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ وَمَوْعِظَتُهُمْ، وَأَكْمَلُ وُجُوهِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ لِتَجْتَمِعَ كَلِمَتُهُمْ وَتَحْصُلَ الْأُلْفَةُ بَيْنَهُمْ. اهـ.

ثُمَّ يَقُولُ: وَفِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ مَقَاصِدَ: أَحَدُهَا: ظُهُورُ الشِّعَارِ. وَالثَّانِي: الْمَوْعِظَةُ. وَالثَّالِثُ: تَأْلِيفُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِبَعْضٍ لِتَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ.

وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَقَاصِدِ وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَكَانَ الاقْتِصَارُ عَلَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ أَدْعَى إلَيْهَا اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ مِنَ الشَّارِعِ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾. وَقَدْ أَتَانَا فِعْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتُهُ وَسُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ.

وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ اجْتِمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّ طَائِفَةٍ فِي مَسْجِدِهِمْ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ثُمَّ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ اجْتِمَاعُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا مِنَ الْعَوَالِي فِي الْعِيدَيْنِ لِتَحْصُلَ الْأُلْفَةُ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَحْصُلُ تَقَاطُعٌ وَلَا تَفَرُّقٌ، فَالتَّفْرِيقُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَضَرِّ شَيْءٍ يَكُونُ، فَالاجْتِمَاعُ دَاعٍ إلَى اتِّفَاقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدِ لَا ضَبْطَ لَهَا، فَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا فِي الْجُمُعَةِ لَا يَشُقُّ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ جُعِلَتْ فِي مَسَاجِدِ الْمَحَالِّ فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كَيْفَ جَعَلَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ. اهـ.

ثُمَّ يَقُولُ: وَانْقَرَضَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَجَاءَ التَّابِعُونَ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. اهـ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: مَذَاهِبُ العُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ:

1ـ يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ: مَطْلَبٌ في نِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ بَعْدَ صَلَاة الجُمُعَةِ: لِأَنَّ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ وَأَقْوَى دَلِيلًا، لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ لِأَنَّ خِلَافَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ فِي رِسَالَتِهِ [نُورُ الشَّمْعَةِ فِي ظُهْرِ الْجُمُعَةِ] بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ تَجْوِيزُ تَعَدُّدِهَا. اهـ.

وَيَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَاةَ عُمُرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالاحْتِيَاطِ.

وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيُّ عَنِ الْمُحِيطِ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ مِـصْرًا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا، حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ تَقَعِ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا يَخْرُجُونَ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ.

وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَمَّا ابْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَتَيْنِ فِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِمَا أَمَرَ أَئِمَّتُهُمْ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَهَا حَتْمًا احْتِيَاطًا. اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. 

2ـ أَمَّا عِنْدَ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الفِقْهِ المَنْهَجِيِّ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: أَنْ لَا تُعَدَّدَ الجُمُعَةُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ طَالَمَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ البَلْدَةِ الوَاحِدَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَثُرَ النَّاسُ، وَضَاقَ المَكَانُ الوَاحِدُ عَنِ اسْتِيعَابِهِمْ جَازَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الحَاجَةِ فَقَطْ.

فَلَوْ تَعَدَّدَتِ الجُمُعَاتُ فِي البَلْدَةِ الوَاحِدَةِ بِدُونِ حَاجَةٍ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا إِلَّا أَسْبَقُهَا، وَالعِبْرَةُ بِالسَّبْقِ البَدَاءَةُ لَا الانْتِهَاءُ، فَالجُمُعَةُ الَّتِي بَدَأَ إِمَامُهَا بِالصَّلَاةِ قَبْلًا، هِيَ الجُمُعَةُ الصَّحِيحَةُ، وَيُعْتَبَرُ أَصْحَابُ الجُمُعَاتِ الأُخْرَى مُقَصِّرِينَ إِذَا انْفَرَدُوا بِجُمُعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يَلْتَقُوا جَمِيعًا فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ بَدَأَتْ فِي البَلْدَةِ، فَتَكُونُ جُمُعَاتُهُمْ لِذَلِكَ بَاطِلَةً وَيُصَلُّونَ فِي مَكَانِهَا ظُهْرًا.

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ: (سُئِلَ) عَمَّنْ شَكَّ فِي تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ هَلْ هُوَ لِحَاجَةٍ (أَيْ: التَّعَدُّدُ) هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مُصَلِّي الْجُمُعَةِ إعَادَةُ الظُّهْرِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جُمُعَتَهُ هِيَ السَّابِقَةُ.

3ـ وَعِنْدَ السَّادَةِ المَالِكِيَّةِ: فَيَلْزَمُ عِنْدَهُمُ الإِعْادَةُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَلَى الأَخِيرِ فَقَطْ، لِلشَّكِّ فِي السَّبْقِ فَتُعَادُ جُمُعَةً إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ظُهْرًا، كَمَا هُوَ الوَاقِعُ الآنَ مِنْهُمْ.

4ـ وَعِنْدَ السَّادَةِ الحَنَابِلَةِ: لَا يَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ، وَهَذَا المَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الأَصْحَابُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَمَذْهَبُ الجُمْهُورِ عَدَمُ جَوَازِ إِقَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ لِغَيْرِ الحَاجَةِ، فَإِنِ انْدَفَعَتِ الحَاجَةُ بِمَسْجِدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ حَرُمَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ المُتَأَخِّرِينَ فِي إِقَامَةِ الجُمُعَةِ عَلَى مَذْهَبِ الجُمْهُورِ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا بَدَلًا عَنْهَا الظُّهْرَ وُجُوبًا لِفَقْدِ شَرْطِ مَنْعِ التَّعَدُّدِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.

وَاليَوْمَ تَعَدُّدُ الجُمُعَةِ فِي البَلَدِ الوَاحِدِ شَيْءٌ مُذْهِلٌ، لِذَا وَجَبَ النَّظَرُ، هَلْ جَمِيعُهُمْ أَقَامُوا بِإِذْنِ الإِمَامِ أَمْ لَا؟

فَإِنْ أَقَامُوهَا بِإِذْنِهِ، نُظِرَ إلى الأَسْبَقِ مِنَ الجُمُعَتَيْنِ، فَتَصِحُّ السَّابِقَةُ وَهِيَ التي سَبَقَتْ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَوَجَبَ عَلَى أَصْحَابِ الجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُعِيدُوهَا ظُهْرًا، وَإنْ جُهِلَ السَّابِقُ وَجَبَ عَلَى الجَمِيعِ إِعَادَةُ الظُّهْرِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الإِمَامُ بِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُمْ، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إِعَادَةُ الظُّهْرِ، عَدَا جُمُعَةِ الإِمَامِ التي أَذِنَ فِيهَا.

وَتَكُونُ إِعَادَتُهَا بِنِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ مِمَّا عَلَيَّ أَدْرَكْتُهُ وَلَمْ أُصَلِّهِ، وَبِذَلِكَ تَبْرَأُ ذِمَّةُ المُسْلِمِ بِيَقِينٍ. هذا، والله تعالى أعلم.

392 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  صلاة الجمعة

 السؤال :
 2022-08-18
 111
مَا حُكْمُ تَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الجُمُعَةِ لِسَدِّ الخَلَلِ؟
رقم الفتوى : 12121
 السؤال :
 2022-03-16
 41
مَا هِيَ عُقُوبَةُ تَارِكِ صَلَاةِ الجُمُعَةِ، وَأَوْلَادُهُ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْ صَلَاةِ الجُمُعَةِ إِلَّا سَمَاعًا، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النُّصْحَ؟
رقم الفتوى : 11847
 السؤال :
 2020-03-24
 1994
في ظِلِّ هَذِهِ الظُّرُوفِ التي تَمُرُّ بِهَا البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ، كَيْفَ يُصَلِّي الإِنْسَانُ صَلَاةَ الجُمُعَةِ؟
رقم الفتوى : 10238
 السؤال :
 2020-03-12
 2732
هَلْ يَجُوزُ أَنْ أَسْمَعَ خُطْبَةَ الجُمُعَةِ وَأَنَا في بَيْتِي، لِأَنَّ الصَّوْتَ مَسْمُوعٌ عِنْدِي بِوُضُوحٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْزِلُ إلى صَلَاةِ الجُمُعَةِ؟
رقم الفتوى : 10210
 السؤال :
 2019-03-01
 4920
ما هي الأدلة على فرضية صلاة الجمعة؟
رقم الفتوى : 9511
 السؤال :
 2019-02-20
 4507
هل يسن غسل الجمعة للنساء؟
رقم الفتوى : 9496

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5702
المقالات 3230
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424032100
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :