الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَحُكْمُ الأُضْحِيَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَعِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَقَدْ نَصَّ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الوَقْتُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِقِيمَتِهَا وَحَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ شَاةٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، لِأَنَّ الوَصِيَّةَ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى تَخَلُّصِهِ مِنْ عُهْدَةِ الوَاجِبِ.
جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا ـ يَعْنِي أَيَّامَ التَّضْحِيَةِ ـ وَلَمْ يُضَحِّ الْغَنِيُّ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا فَافْهَمْ.
ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، ثُمَّ افْتَقَرَ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةَ.
وَقَالَ غَيْرُ الحَنَفِيَّةِ: مَنْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ، وَمَضَى يَوْمُ النَّحْرِ مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَاتَتْهُ تَضْحِيَةُ هَذَا العَامِ، وَخَسِرَ الأَجْرَ المَوْعُودَ عَلَى التَّضْحِيَةِ، فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَو بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَمْ تَكُنْ ذَبِيحَتُهُ أُضْحِيَّةً، وَلَكِنْ يُثَابُ عَلَى مَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ مِنْهَا ثَوَابَ الصَّدَقَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَعِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ، مَنْ مَلَكَ نِصَابًا وَلَمْ يُضَحِّ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الأُضْحِيَّةِ، وَإِذَا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ شَاةٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ: مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّضْحِيَةِ وَلَمْ يُضَحِّ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَسِرَ الأَجْرَ المَوْعُودَ بِهِ عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبُكَ».
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً أَوْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟
قَالَ: «بَلْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً». هذا، والله تعالى أعلم.