أخذ الأجرة على تلاوة القرآن في العزاء

3051 - أخذ الأجرة على تلاوة القرآن في العزاء

17-06-2010 439 مشاهدة
 السؤال :
هل يجوز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم في العزاء؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3051
 2010-06-17

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَمِنَ البِدَعِ التي ظَهَرَتْ في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ في التَّعَازِي تِلَاوَةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ عَلَى أَجْهِزَةٍ مُكَبِّرَةٍ للصَّوْتِ، وَصَارَ صَوْتُ القَارِئِ للقُرْآنِ الكَرِيمِ عُنْوَانًا لِوُجُودِ عَزَاءٍ في هَذَا المَكَانِ، وَهَذَا مِمَّا أَدَّى إلى نُفُورِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ سَمَاعِ القُرْآنِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِوُجُودِ مَيْتٍ في هَذَا المَكَانِ، وَكَذَلِكَ تِلَاوَةُ القُرْآنِ الكَرِيمِ في سَيَّارَةِ دَفْنِ المَوْتَى.

وَالمَطْلُوبُ مِنَّا شَرْعًا أَوَّلًا: إِذَا قُرِئَ القُرْآنُ أَنْ نَسْتَمِعَ إِلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾. وَالعَجِيبُ في بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ اللهَ تعالى يَأْمُرُ بِالاسْتِمَاعِ وَالإِنْصَاتِ أَثْنَاءَ التِّلَاوَةِ وَلَا يَسْتَجِيبُونَ لِأَمْرِ اللهِ تعالى، مَعَ أَنَّ عَالَمَ الجِنِّ عِنْدَمَا سَمِعُوا القُرْآنَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِبَعْضِهِمُ البَعْضِ: ﴿أَنصِتُوا﴾ كَمَا أَخْبَرَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِين﴾. هُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالإِنْصَاتِ بِدَايَةً، وَأَنْصِتُوا اسْتِمَاعًا للقُرْآنِ العَجِيبِ أَمْرُهُ.

ثَانِيًا: القُرْآنُ الكَرِيمُ أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى للعَمَلِ بِهِ وَتِلَاوَتِهِ بِتَدَبُّرٍ، وَجَعَلَ للتَّالِي بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةً، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.

ثَالِثًا: وَلَا حَرَجَ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ ثُمَّ إِهْدَاءِ ثَوَابِ هَذِهِ التِّلَاوَةِ لِمَنْ مَاتَ عَلَى الإِيمَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الدُّعَاءِ الذي يَنْتَفِعُ بِهِ المَيْتُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ التَّالِيَ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنَ التِّلَاوَةِ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ في صَحِيفَةِ فُلَانٍ)، وَهَذَا دُعَاءٌ للهِ تعالى، وَيَقِينُنَا بِاللهِ أَنَّهُ يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ، لِأَنَّ وَعْدَهُ لَا يُخْلَفُ، قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.

رَابِعًا: ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الاسْتِئْجَارُ عَلَى تِلَاوَةِ القُرْآنِ، يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وَالاسْتِئْجَارُ عَلَى التِّلاوَةِ وَإِنْ صَارَ مُتَعَارَفًا فَالْعُرْفُ لَا يُجِيزُهُ، لأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَهُوَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُنَا كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ  (أَيْ: لَا تَجْعَلُوا لَهُ عِوَضًا مِنْ سُحْتِ الدُّنْيَا) وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ (أَيْ: تَعَاهَدُوهُ وَلَا تَبْتَعِدُوا عَنْ تِلَاوَتِهِ) وَلَا تَغْلُوا فِيهِ (مِنَ الغُلُوِّ، وَهُوَ التَّشَدُّدُ وَالمُجَاوَزَةُ عَنِ الحَدِّ») رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

وَالْعُرْفُ إذَا خَالَفَ النَّصَّ يُرَدُّ بِالاتِّفَاقِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ، وَلَا تَكُنْ مِمَّنِ اشْتَرَى بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَجَعَلَهَا دُكَّانًا يَتَعَيَّشُ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلانِ مَبْنِيًّا عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ.

أَقُولُ: وَقَدْ عَلِمْتُ مُخَالَفَةَ هَذَا الْبَحْثِ لِلْمَنْقُولِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلِ الْبُطْلانُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الاخْتِيَارِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الاسْتِئْجَارَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ المُتَأَخِّرُونَ جَوَازُ الاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ القُرْآنِ لَا عَلَى تِلَاوَتِهِ خِلِافًا لِمَنْ وَهِمَ).

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَخَاصَّةً في التَّعَازِي، وَلَا حَرَجَ في تِلَاوَةِ القُرْآنِ جَهْرًا بِشَرْطِ الاسْتِمَاعِ وَالإِنْصَاتِ، وَأَنْ يَكُونَ بِدُونِ أَجْرٍ، وَإِلَّا فَيُقْرَأُ القُرْآنُ سِرًّا، ثمَّ يُهْدَى الثَّوَابُ لِمَنْ كَانَتِ التِّلَاوَةُ عَلَى نِيَّتِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
439 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالقرآن الكريم

 السؤال :
 2023-02-25
 1175
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سُورَةَ الإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 947
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾؟
 السؤال :
 2023-02-06
 920
مَا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾؟
 السؤال :
 2023-01-30
 419
يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾. فَبِأَيِّ الأَمْرَيْنِ تَمَّتْ نَجَاةُ سَيِّدِنَا يُونُسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ؟
 السؤال :
 2023-01-30
 456
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾؟
 السؤال :
 2022-10-03
 502
في قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ قَالَ تعالى عَنْ قَابِيلَ القَاتِلِ: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾. وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ، فَلِمَاذَا كُلَّمَا قَتَلَ إِنْسَانٌ آخَرَ ظُلْمًا يَتَحَمَّلُ قَابِيلُ وِزْرَهُ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412657342
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :