أقسم يميناً أن لا يرجع إلى المعصية ثم عاد إليها

5106 - أقسم يميناً أن لا يرجع إلى المعصية ثم عاد إليها

28-04-2012 28189 مشاهدة
 السؤال :
لقد ابتليت بفعل معصية من المعاصي، ولكن كلَّما تبت إلى الله تعالى منها، أرجع إليها ثانيةً، فأقسمت يميناً بالله تعالى أن لا أرجع إليها مرَّةً أخرى، ولكن لضعفي وتسلُّط الشيطان عليَّ رجعت إليها، فماذا يترتَّب عليَّ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5106
 2012-04-28

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: بابُ التَّوبةِ مفتوحٌ بفضلِ الله عزَّ وجلَّ، لأنَّ المولى جلَّت قدرتُهُ، وعَظُمَ سلطانُهُ، لا يَتَعاظَمُهُ ذنبٌ، فهو يغفر الذَّنبَ مهما كان عظيماً، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}.

ثانياً: ربُّنا عزَّ وجلَّ يدعو عبادَهُ إلى التَّوبةِ الصَّادقةِ النَّصوحِ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.

والتَّوبةُ النَّصوحُ تكونُ بالإقلاعِ عن المعصيةِ، والنَّدمِ على ما فعل، والعزمِ على أن لا يعود، وأن يُعيدَ الحقوقَ لأصحابِها إذا كانت المعصيةُ بينه وبين العبادِ، وأن يختارَ الصُّحبةَ الصَّالحةَ، وأن تكونَ خالِصَةً لله تعالى.

ثالثاً: اللهُ تعالى يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم تقع رُوحُهُ في الغرغرةِ، وما لم تطلع الشمس من مغربها، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ) رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما. ويقول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

رابعاً: إذا كان الشيطان لا ييئسُ من إيقاعِ العبدِ في المعصيةِ، فكيفَ ييئسُ العبدُ المؤمنُ الصَّادقُ من رحمةِ اللهِ تعالى، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خامساً: يجبُ على المؤمن أن يعتقدَ اعتِقاداً جازماً بأنَّ اللهَ تعالى يعلمُ السِّرَّ وأخفى، ويعلمُ خائنةَ الأعيُنِ وما تُخفي الصُّدورُ، وأنَّ الله تعالى مطَّلِعٌ على قلبِ العبدِ ونِيَّتِهِ.

وبناء على ذلك:

 فإذا كانت توبةُ العبدِ توبةً صادقةً نصوحاً، وَحَقَّقَ شُروطَها، ولم تكن توبتُهُ بِلِسانِهِ دون قلبِهِ ـ لأنَّ توبةَ اللسانِ دونَ القلبِ هي توبةُ الكذَّابين ـ فإنَّ الله تعالى يقبلُ توبةَ هذا العبدِ فضلاً وكَرَماً، لأنَّ معصِيَةَ العبدِ لا تَضُرُّ مولاهُ، كما أنَّ طاعَتَهُ لا تَنفَعُ مولاهُ.

وإذا أقسمَ العبدُ يميناً على أن لا يعودَ إلى الذَّنبِ ثم عادَ إليه، وَجَبَت عليه كفَّارةُ اليمين، والعزمُ على أن لا يعودَ إلى الذَّنبِ ثانيةً.

وكفَّارةُ اليمين هي كما قال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فإذا كان لا يملك من ذلك شيئاً فينتقلُ إلى التَّكليفِ الثَّاني، قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}. هذا، والله تعالى أعلم. 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
28189 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أحكام الأيمان

 السؤال :
 2022-12-25
 477
أَخَذْتُ مِنْ زَوْجِي مَبْلَغًا مِنَ المَالِ دُونَ عِلْمِهِ، وَصَرَفْتُهُ عَلَى نَفْسِي وَأَوْلَادِي، وَشَكَّ زَوْجِي بِي، وَطَلَبَ مِنِّي أَنْ أُقْسِمَ بِاللهِ العَظِيمِ، أَنِّي مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَحَلَفْتُ بِاللهِ كَاذِبَةً، حَتَّى لَا يَخْرَبَ بَيْتِي؟
رقم الفتوى : 12334
 السؤال :
 2016-07-18
 96
يقول الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾. فما هو الفارق بين يمين اللغو، واليمين المعقودة؟
رقم الفتوى : 7417
 السؤال :
 2016-04-28
 5882
كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام، فهل يشترط فيها التتابع؟
رقم الفتوى : 7297
 السؤال :
 2013-11-08
 6106
حلف رجل يميناً على أمر (ما) فهل يجوز أن يكفر عن يمينه قبل الحنث؟
رقم الفتوى : 6001
 السؤال :
 2013-08-26
 732
هل يجب على المرأة أن تبيع شيئاً من حليها لتدفع كفارة اليمين، أم تصوم ثلاثة أيام؟
رقم الفتوى : 5949
 السؤال :
 2013-08-26
 17849
ما هي كفارة اليمين الكاذبة؟
رقم الفتوى : 5947

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413166069
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :