الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: جَاءَت امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟
فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ.
قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا.
ويَقولُ الإمام العَينِيُّ في عُمدَةِ القاري شَرحِ صَحيحِ البُخاري: قَولُ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: هيَ خَيرٌ مِنكِ. فيه دَليلٌ على جَوازِ عَرضِ المرأةِ نَفسَها على الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وتَعريفُهُ رَغبَتِها فيهِ لِصَلاحِهِ وفَضلِهِ، أو لِعِلمِهِ وشَرَفِهِ، أو لِخَصلَةٍ من خِصالِ الدِّينِ، وأنَّهُ لا عارَ عليها في ذلكَ، بل ذلكَ يَدُلُّ على فَضلِها.
وبِنتُ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما نَظَرَت إلى ظاهِرِ الصُّورَةِ ولم تُدرِك هذا المعنى، حتَّى قال أنسٌ: هيَ خَيرٌ مِنكِ. وأمَّا التي تَعرِضُ نَفسَها على الرَّجُلِ لأجْلِ غَرَضٍ من الأغراضِ الدُّنيَوِيَّةِ فأقبَحُ ما يَكونُ من الأمرِ وأفضَحُهُ. اهـ.
ثانياً: لا حَرَجَ في الاستِعانَةِ بأهلِ الصَّلاحِ والاستِقامَةِ في أمرِ الزَّواجِ، ولكن بِشُروطٍ:
1ـ أن لا يَطَّلِعَ الوَسيطُ على شيءٍ من صِفاتِ المرأةِ، بل يَكتَفي بالنَّسَبِ والسِّنِّ والدِّراسَةِ.
2ـ على من رَغِبَ في الخِطبَةِ أن يَتَقَدَّمَ في خِطبَتِها من أهلِها، دونَ الاتِّصالِ بالوَسيطِ.
3ـ على المرأةِ بعدَ ذلكَ أن تَستَخيرَ.
وبناء على ذلك:
فلا حَرَجَ من عَرضِ الفَتاةِ نَفسَها على رَجُلٍ صالِحٍ لِيَدُلَّها على رَجُلٍ صالِحٍ من أجلِ زَواجِها، بالشُّروطِ التي ذَكَرناها، ولا يَجوزُ له أن يُجرِيَ لها هوَ عَقدَ الزَّواجِ إلا بِحُضورِ وَلِيِّها؛ والأَولى أن تعرض نفسها على امرأة عجوز لتفتش لها عن رجل يناسبها كما فعلت السيدة خديجة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، لا أن تعرض نفسها على رجل ولو كان صالحاً، وخاصة في زمن قَلَّ فيه الحياء. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |