حكم صيام شهر شعبان كاملاً

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

روى الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ.

وروى أبو داود عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِن السَّنَةِ شَهْراً تَامَّاً إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِماً مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلاً.

فظاهِرُ الحديثِ الأوَّلِ والثَّاني أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ يَصومُ شَهرَ شَعبانَ كُلَّهُ.

وظاهِرُ الحديثِ الثَّالِثِ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ يَصومُ شَهرَ شَعبانَ إلا قليلاً.

وَوَفَّقَ العُلَماءُ بينَ هذهِ الأحاديثِ، بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كانَ يَصومُ بعضَ السِّنينَ شَعبانَ كاملاً، وفي بَعضِها الآخَرِ يَصومُهُ إلا قليلاً.

وبناء على ذلك:

فالسُّنَّةُ صِيامُ شَهرِ شَعبانَ إلا قليلاً منهُ، وذلكَ لما وَرَدَ في صحيحِ الإمام مسلم عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلَا صَامَ شَهْراً كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ.

ولما وَرَدَ في الصَّحيحَينِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَهْراً كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ.

ولكن إذا صامَ الإنسانُ شَهرَ شَعبانَ كاملاً وهوَ لا يَرى صِيامَهُ كاملاً من السُّنَّةِ فلا حَرَجَ في ذلكَ، لأنَّ هذا من النَّافِلَةِ التي رَغَّبَ بها الشَّرعُ الشَّريفُ. هذا، والله تعالى أعلم.