دعاء العقيم: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً}

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنَّ الدُّعَاءَ مَطلُوبٌ من العَبدِ المُؤمِنِ بِكُلِّ أحوَالِهِ، ويَجِبُ أن يَكُونَ الدُّعَاءُ غَايَةً وعُبُودِيَّةً، وأن لا يَكُونَ وَسِيلَةً، لأنَّ الدُّعَاءَ هوَ مُخُّ العِبَادَةِ، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

ورَبُّنا عزَّ وجلَّ الذي أَمَرَنا بالدُّعَاءِ عُبُودِيَّةً، وَعَدَ بالاستِجَابَةِ تَفَضُّلاً وإحساناً، ويُعطِي رَبُّنا عزَّ وجلَّ ما شَاءَ لمن شَاءَ، وفي الوَقتِ الذي يُريدُ، لا في الوَقتِ الذي يُريدُهُ العَبدُ.

روى الحاكم عن أبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِن مُسلِمٍ يَدعُو اللهَ بِدَعوَةٍ لَيسَ فِيهَا مَأثَمٌ، ولا قَطِيعَةُ رحِمٍ، إلا أَعطَاهُ إِحدَى ثَلاثٍ: إمَّا أن يَستَجِيبَ لَهُ دَعوَتَهُ، أو يَصرِفَ عَنهُ من السُّوءِ مِثلَها، أو يَدَّخِرَ لَهُ من الأجْرِ مِثلَها».

قالوا: يا رَسولَ الله، إذاً نُكثِرُ.

قال: «اللهُ أَكثَرُ».

وبناء على ذلك:

فالعَقِيمُ عَلَيهِ بالدُّعَاءِ بَعدَ الأخْذِ بالأسبَابِ، ولا حَرَجَ من أن يَدعُو بِدُعَاءِ سَيِّدِنا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ، وليَعلَمْ بأنَّهُ ما وَرَدَ في دُعَاءِ سَيِّدِنا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ خُصُوصِيَّةٌ في ذلكَ.

ولكن من أرادَ الذُّرِّيَّةَ فَعَلَيهِ بِكَثْرَةِ الاستِغفارِ، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى حِكَايَةً عن سَيِّدِنا نوح عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾. والسَّعِيدُ من رَضِيَ بِقَضَاءِ الله تعالى القَائِلِ: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.