الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: لقد مَنَّ اللهُ تعالى على الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ بِأَنْ جَعَلَ القُرْآنَ مُيَسَّرَ التِّلاوَةِ والفَهْمِ على النَّاسِ جَمِيعَاً، قَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمَاً لُدَّاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾.
ومن تَيْسِيرِهِ أَنَّ اللهَ تعالى أَنْزَلَهُ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، روى الإمام أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عِنْدَ حِجَارَةِ الْمِرَاءِ، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، إِلَى الشَّيْخِ، وَالْعَجُوزِ، وَالْغُلَامِ، وَالْجَارِيَةِ، وَالشَّيْخِ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابَاً قَطُّ».
فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.
وروى الشيخان عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى حَرْفٍ، فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ».
ثانياً: أمَّا مَعْنَى: على أَحْرُفٍ، فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا: سَبْعَةُ أَوْجُهٍ من القِرَاءَةِ، تَخْتَلِفُ باللَّفْظِ، وقَد تَتَّفِقُ بالمَعْنَى، وإِنِ اخْتَلَفَتْ بالمَعْنَى، فاخْتِلافُهَا من بَابِ التَّنَوُّعِ والتَّغَايُرِ، لا من بَابِ التَّضَادِّ والتَّعَارُضِ.
وقَد جَاءَ في القُرْآنِ العَظِيمِ مَا يَدُلُّ على أَنَّ الحَرْفَ يَعْنِي وَجْهَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.
وبناء على ذلك:
فقد ثَبَتَ في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ نَزَلَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، يَعْنِي على سَبْعَةِ أَوْجُهٍ من القِرَاءَةِ، وهيَ من لُغَاتِ العَرَبِ ولَهْجَاتِهِم. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |