الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
روى الإمام البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟».
قَالُوا: لَا.
قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئَاً؟».
قَالُوا: لَا؛ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟».
قِيلَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَهَلْ تَرَكَ شَيْئَاً؟».
قَالُوا: ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ؛ فَصَلَّى عَلَيْهَا.
ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئَاً؟».
قَالُوا: لَا.
قَالَ: «فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟».
قَالُوا: ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ.
قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ».
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ؛ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
وفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟».
قَالُوا: دِينَارَانِ؛ فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ.
فَأَتَيْنَاهُ؛ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَقَّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْـمَيِّتُ؟».
قَالَ: نَعَمْ؛ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟».
فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ.
قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ».(أَيْ: نَجَا مِنَ العَذَابِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ).
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى صِحَّةِ ضَمَانِ دَيْنِ المَيْتِ، وَأَدَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُفْلِسَاً، وَمَنْ ضَمِنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الوَفَاءُ.
وبناء على ذلك:
فَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ المَيْتِ إِنْ كَانَ تَرَكَ وَفَاءً، أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، فَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الوَرَثَةَ بِأَنَّهُ سَيَضْمَنُ دُيُونَ المَيْتِ على أَنْ يَأْخُذَ مِنَ التَّرِكَةِ مَا سَدَّدَهُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ نَاوِيَاً أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لإِعْلَامِ الوَرَثَةِ.
وَإِنْ كَانَ المَيْتُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَضَمِنَ دُيُونَهُ إِنْسَانٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَدِّدَ دُيُونَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ وَرَثَةَ المُتَوَفَّى مَا دَفَعَ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِعٌ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |