الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ في مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ، عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ.
فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ، إِذْ قَالُوا: اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ؛ قَالَ: «هَاتُوا».
قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ عَلامَةِ النَّبِيِّ؟
قَالَ: «تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ».
قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤَنِّثُ المَرْأَةُ، وَكَيْفَ تُذْكِرُ؟
قَالَ: «يَلْتَقِي المَاءَانِ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ المَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَتْ».
قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟
قَالَ: «كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئَاً يُلائِمُهُ إِلا أَلْبَانَ كَذَا وَكَذَا ـ قَالَ أَبِي: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْإِبِلَ ـ فَحَرَّمَ لُحُومَهَا».
قَالُوا: صَدَقْتَ، أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟
قَالَ: «مَلَكٌ مِنْ مَلائِكَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ بِيَدِهِ ـ أَوْ فِي يَدِهِ ـ مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ، يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ، يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ».
قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟
قَالَ: «صَوْتُهُ».
قَالُوا: صَدَقْتَ، إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الَّتِي نُبَايِعُكَ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبكَ؟
قَالَ: «جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ».
قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا، لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، لَكَانَ.
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوَّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقَاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدَىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
وبناء على ذلك:
فَسَبَبُ عَدَاوَةِ اليَهُودِ لِسَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَنَزَّلُ بِالقُرْآنِ على قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَنْزِلُ بِالحَرْبِ وَالقِتَالِ وَالعَذَابِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |