زواج السيدة عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا

8008 - زواج السيدة عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا

03-05-2017 2565 مشاهدة
 السؤال :
هناك من يطعن في زواج سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من السيدة عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، كيف تزوجها وهي صغيرة السن؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8008
 2017-05-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لَيْسَتْ جَدِيدَةً عَلَى مَسَامِعِنَا، بَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ، حَيْثُ حَاوَلَ المُسْتَشْرِقُونَ وَأَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ يَنَالُوا مِنْ شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَطْعَنُوا في كَمَالَاتِهِ، فَلَمْ يَجِدُوا سَبِيلَاً إلى ذَلِكَ.

وَأَيْنَ تَكْمُنُ الغَرَابَةُ في نِكَاحِ المَرْأَةِ الصَّغِيرَةِ التي لَمْ تَحِضْ بَعْدُ؟ أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا جَلَّ جَلَالُهُ في سُورَةِ الطَّلَاقِ: ﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَاً﴾؟ فَقَدْ حَدَّدَ اللهُ تعالى عِدَّةَ أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٍ مِنَ النِّسَاءِ وَهُنَّ:

1ـ المَرْأَةُ الكَبِيرَةُ: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ﴾. يَئِسَتْ مِنَ الحَيْضِ.

2ـ المَرْأَةُ الصَّغِيرَةُ التي لَمْ تَحِضْ بَعْدُ: ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾.

3ـ المَرْأَةُ الحَامِلُ: ﴿وَأُوْلَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾.

فَاللهُ تعالى حَدَّدَ عِدَّةَ المَرْأَةِ الصَّغِيرَةِ التي لَمْ تَحِضْ بَعْدَ طَلَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَاجِ؟ وَهَلْ تَكُونُ العِدَّةُ إِلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ؟ فَأَيْنَ تَكْمُنُ المُشْكِلَةُ؟ اللهُ تعالى يُحِلُّ، وَالبَعْضُ يُحَاوِلُ أَنْ يَنْفِيَ، لِمَاذَا هَذَا العَبَثُ؟

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾.

قَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ عِنْدَمَا سَأَلَهَا ابْنُ أُخْتِهَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: هِيَ اليَتِيمَةُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾. قَالَتْ: فَبَيَّنَ اللهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اليَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا، وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ المَالِ وَالجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ.

قَالَ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا. رواه الإمام البخاري.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» رواه أبو داود عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَاللهُ تعالى أَبَاحَ نِكَاحَ اليَتِيمَةِ التي لَمْ تَحْتَلِمْ بَعْدُ.

فَأَيْنَ الغَرَابَةُ في نِكَاحِ مَنْ لَمْ تَحْتَلِمْ بَعْدُ؟ اللهُ يُشَرِّعُ وَالبَعْضُ يَسْتَغْرِبُ! هَذَا أَمْرٌ غَرِيبٌ.

وَالزَّوَاجُ مِنَ الصَّغِيرَةِ التي لَمْ تَحِضْ بَعْدُ كَانَ مَشْهُورَاً وَمُتَعَارَفَاً عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا شَرَعَهُ اللهُ تعالى في عِدَّةِ المُطَلَّقَةِ المَدْخُولِ بِهَا قَبْلَ سِنِّ البُلُوغِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَلَمْ يَكُنِ الزَّوَاجُ مِنَ الصَّغِيرَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هُوَ تَشْرِيعٌ عَامٌّ، فَالزَّوَاجُ المُبَكِّرُ مُوَافِقٌ للفِطْرَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا شَرَعَهُ اللهُ تعالى.

لَكِنَّ الغَرْبَ يَرْفُضُ الزَّوَاجَ المُبَكِّرَ لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِالانْحِرَافِ الخُلُقِيِّ وَالسُّلُوكِيِّ، وَيُنْكِرُ عَلَيْنَا أَشَدَّ الإِنْكَارِ في الزَّوَاجِ المُبَكِّرِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُنْكِرُ إِذَا ارْتُكِبَتْ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى في مُجْتَمَعَاتِنَا الفَاحِشَةُ وَانْتَشَرَتِ الرَّذِيلَةُ.

وبناء على ذلك:

فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَقْدَ عَلَى السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سَنَوَاتٍ، وَبَنَى بِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سَنَوَاتٍ، وَهَذَا هُوَ الذي قَرَّرَهُ العُلَمَاءُ الثِّقَاتُ.

وَأَمَّا مَا عُزِيَ إلى بَعْضِ العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مِنَ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِيَ في الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ، فَإِنْ صَحَّ العَزْوُ فَإِنِّي أَقُولُ: لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ، وَكُلٌّ مِنَّا يَرُدُّ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

وَالزَّوَاجُ المُبَكِّرُ أَمْرٌ عَرَفَتْهُ العَرَبُ بِدُونِ نَكِيرٍ، لِذَا أَقُولُ: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2565 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أسئلة في السيرة النبوية

 السؤال :
 2020-05-10
 4310
مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ صَدَقَةً، فَلِمَاذَا لَمْ تَكُنْ بُيُوتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْتِحَاقِهِ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى صَدَقَةً؟
 السؤال :
 2019-09-30
 5528
هَلْ هُنَاكَ نَسْخٌ في أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ الحَالُ في القُرْآنِ العَظِيمِ؟
 السؤال :
 2019-06-23
 2562
أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لَمْ تُرْزَقْ بِوَلَدٍ، فِلَمَاذَا كَانَتْ تُكَنَّى بأم عبد الله؟
 السؤال :
 2019-06-16
 2536
هَلْ كَانَتْ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ يَحْتَجِبْنَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 السؤال :
 2019-05-08
 1955
هل ثبت أن سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ؟ وما هي الحكمة في عدم تأذينه إذا ثبت هذا؟
 السؤال :
 2019-03-26
 2593
ما اسم أولاد أمنا السيدة خديجة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قبل زواجها من الحبيب الأعظم سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413302434
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :