الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾. يَعْنِي أَنَّ فِتْنَةَ العَبْدِ في دِينِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ، وَيَكُونَ مشْرِكَاً بِاللهِ تعالى، كَافِرَاً بِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَإِيمَانِهِ، أَشَدُّ وَأَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَقْتَلَ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى دِينِهِ، مُتَمَسِّكٌ بِهِ.
يَقُولُ مُجَاهِدٌ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾. ارْتِدَادُ المُؤْمِنِ إلى الوَثَنِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنَ القَتْلِ.
وَيَقُولُ قَتَادَةُ: قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾. الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ.
وبناء على ذلك:
فَقَتْلُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُفْتَنَ في دِينِ اللهِ تعالى، وَيَرْتَدَّ عَنْ إِسْلَامِهِ وَإِيمَانِهِ، وَيَعُودَ مُشْرِكَاً، لِأَنَّ الفِتْنَةَ في دِينِهِ أَكْبَرُ وَأَشَدُّ مِنْ قَتْلِهِ.
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِّدَاً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدَاً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابَاً عَظِيمَاً﴾.
فَقَتْلُ المُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ المُوبِقَاتِ السَّبْعِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ».
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟
قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ المُؤْمِنَاتِ».
وَلَكِنْ فِتْنَتُهُ في دِيِنِهِ وَارْتِدَادُهُ أَعْظَمُ مِنَ قَتْلِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |