الدعاء على الولد

9278 - الدعاء على الولد

13-11-2018 2754 مشاهدة
 السؤال :
امرأة تكثر من الدعاء على ولدها، وتكثر من الدعاء على جيرانها، بعدم التوفيق، وبخراب البيت، فما حكم هذا الدعاء، وربما أن يكون سبب الدعاء أمرٌ بسيطٌ وتافهٌ جداً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9278
 2018-11-13

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في سُورَةِ الإِسْرَاءِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالـشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولَاً﴾. كَثِيرَاً مَا يَدْعُو الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ مُسْتَعْجِلَاً وَمُتَسَرِّعَاً في مَوْضِعٍ الأَلْيَقُ وَالأَكْرَمُ بِهِ أَنْ يَدْعُوَ بِالخَيْرِ، وَمَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ عَطَاءً خَيْرَاً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ.

مَا أَجْمَلَ العَبْدَ أَن يُصَبِّرَ نَفْسَهُ، وَيُقَيِّدَهَا بِقُيُودِ الشَّرِيعَةِ، وَيُعَوِّدَ لِسَانَهُ في سَاعَاتِ الغَضَبِ أَنْ يَدْعُوَ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ».

وروى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ (جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ) وَهُوَ يَطْلُبُ المَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ، وَكَانَ النَّاضِحُ (البَعِيرُ الذي يُسْتَقَى عَلَيْهِ) يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ، فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (العُقْبَةُ رُكُوبُ هَذَا نَوْبَةً وَهَذَا نَوْبَةً، هِيَ رُكُوبُ مِقْدَارِ فَرْسَخَيْنِ) عَلَى نَاضِحٍ لَهُ، فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ (أَيْ: تَلَكَّأَ وَتَوَقَّفَ) فَقَالَ لَهُ: شَأْ (كَلِمَةُ زَجْرٍ للبَعِيرِ) لَعَنَكَ اللهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ؟».

قَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «انْزِلْ عَنْهُ، فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ، لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ».

وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ».

كَمْ هُوَ الفَارِقُ كَبِيرٌ بَيْنَ مَنْ يَدْعُو اللَه لِوَلَدِهِ، وَبَيْنَ مَنْ يَدْعُو عَلَيْهِ؟

وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللهَ تعالى لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءَ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَخَاصَّةً في حَالَةِ الضَّجَرِ وَالغَضَبِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الـشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.

وَبِالمُقَابِلِ: عَلَى الأَبَوَيْنِ أَنْ يَعْلَمَا بِأَنَّ اللهَ تعالى قَدْ يَسْتَجِيبُ لِدُعَائِهِمَا عَلَى الوَلَدِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ، فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي.

ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ.

وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجَاً، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى.

فَأَتَتْ رَاعِيَاً، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامَاً فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ.

فَأَتَوْهُ، وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الغُلَامَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ طِينٍ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَنَنْصَحُ الأُمَّ وَكَذَلِكَ الأَبَ، أَنْ لَا يَدْعُوَا  اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الوَلَدِ، خَشْيَةَ أَنْ يُسْتَجَابَ لِدُعَائِهِمَا.

وَالمُوَفَّقُ مَنْ صَبَرَ، وَدَعَا اللهَ تعالى لِذُرِّيَّتِهِ وَللنَّاسِ جَمِيعَاً. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2754 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2023-12-29
 1124
اتَّصَلَتِ امْرَأَةٌ بِمُدِيرِهَا تُبَارِكُ لَهُ بِمَوْلُودٍ جَاءَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا مُنْذُ أَنْ عَرَفَهَا، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ يَزُورَهَا في زِيَارَةً خَاصَّةً، فَمَاذَا تَفْعَلُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَمُحَافِظَةٌ؟
رقم الفتوى : 12878
 السؤال :
 2023-12-29
 207
لَقَدْ دَعَانَا الإِسْلَامُ إلى العَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُسِيءِ، أَلَا تَرَى في ذَلِكَ ضَيَاعًا لِكَرَامَةِ الإِنْسَانِ؟
رقم الفتوى : 12876
 السؤال :
 2023-12-11
 574
أَنَا طَالِبُ عِلْمٍ، وَأَدْرُسُ الشَّرِيعَةَ، وَلَكِنَّ نَظْرَةَ المُجْتَمَعِ وَالأَقَارِبِ نَظْرَةٌ دُونِيَّةٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّنِي إِنْسَانٌ مُتَخَلِّفٌ، وَيُسْمِعُونِي كَلَامًا جَارِحًا، وَوَالِدِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، يَرَى الأَخْطَاءَ، فَأَقُولُ لَهُ: قَدِّمِ النُّصْحَ لَهُمْ، فَيَقُولُ: لَا شَأْنَ لَنَا مَعَ أَحَدٍ، فَبِمَ تَنْصَحُنِي؟
رقم الفتوى : 12849
 السؤال :
 2023-07-13
 2791
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ مُعَلِمَ الصِّبْيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
رقم الفتوى : 12644
 السؤال :
 2023-07-13
 1236
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المَحْرُومَ مِنَ الوَلَدِ إِذَا لَازَمَ الاسْتِغْفَارَ يُكْرِمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ؟
رقم الفتوى : 12642
 السؤال :
 2023-03-25
 7460
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةَ الزِّنَا، وَتُرِيدُ أَنْ تَتُوبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا، وَتَتَزَوَّجَ مِنَ الزَّانِي بِهَا، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا؟
رقم الفتوى : 12474

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412818559
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :