الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ ـ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ ـ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَـصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» عَامٌّ يَشْمَلُ جَمِيعَ خَلْقِهِ، وَالمَلَائِكَةُ الكِرَامُ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى.
ثانياً: رُؤْيَةُ اللهِ تعالى في الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً، لِأَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾. فَلَو كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً لَمَا سَأَلَهَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَجَاءَ الجَوَابُ مِنَ الحَقِّ تعالى: ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾. وَاسْتِقْرَارُ الجَبَلِ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مُسْتَحِيلَاً.
وَقَدْ أُكْرِمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرُؤْيَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَمْ تَكُنْ لِسِوَاهُ مِنْ سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
ثالثاً: أَمَّا رُؤْيَةُ اللهِ تعالى في الآخِرَةِ فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ، وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَا ثَبَتَ بِأَنَّ المَلَائِكَةَ يَرَوْنَ اللهَ تعالى في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَمَا يُكَلِّمُهُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُمْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَمَّا في الآخِرَةِ فَيَرَوْنَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |