جعل الله الجنة مثواه

9426 - جعل الله الجنة مثواه

29-01-2019 25556 مشاهدة
 السؤال :
هل صحيح أنه لا يجوز أن نقول في دعائنا لميت: جعل الله الجنة مثواه؛ لأن كلمة مثوى لا تكون إلا لأهل النار؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9426
 2019-01-29

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: كَلِمَةُ مَثْوَى تَعْنِي المَوْضِعَ الذي يُقَامُ بِهِ، وَمَثْوَى الرَّجُلِ مَنْزِلُهُ.

وَالمَنْزِلُ قَدْ يَكُونُ خَيْرَاً، وَقَدْ يَكُونُ شَرَّاً عَلَى صَاحِبِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

قَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلَاً مُبَارَكَاً وَأَنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ﴾. فَلَيْسَتْ كُلُّ المَنَازِلِ مَنَازِلَ سُوْءٍ.

وَقَالَ تعالى عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾. فَكَيْفَ يُوصَفُ المَثْوَى بِالحَسَنِ لَو لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنَىً إِلَّا مَعْنَى السُّوءِ؟

وروى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَ: صَرَخَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ.

قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟».

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ كَانَ حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ مَا سَمِعْتُمْ، إِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ».

ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ، فَقَالَ: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَخْلُصُ إِلَيْكِ، فَإِنَّكَ لَا تَحَلِّينَ لَهُ».

فَالمَثْوَى قَدْ يَكُونُ للتَّكْرِيمِ، وَقَدْ يَكُونُ للإِهَانَةِ وَالتَّحْقِيرِ وَالتَّعْذِيبِ.

وَقَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَدِينَةُ قُبَّةُ الإِسْلَامِ وَدَارُ الإِيمَانِ وَأَرْضُ الهِجْرَةِ وَمَثْوَى الحَلَالِ وَالحَرَامِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. / كَذَا في التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ للمُنْذِرِيِّ

فَكَلِمَةُ مَثْوَى: تَعْنِي المَنْزِلَ.

ثانياً: روى البيهقي عَنْ رَقَبَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي، لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. وروى ابنُ السُّنِّيِّ في عَمَلِ اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَاتِحَةَ الكِتَابِ، وَآيَةَ الكُرْسِيِّ، وَالآيَتَيْنِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمَاً بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ وَ ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. مُعَلَّقَاتٌ، مَا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ، لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُنْزِلَهُنَّ تَعَلَّقْنَ بِالعَرْشِ، قُلْنَ: رَبَّنَا، تُهْبِطُنَا إِلَى أَرْضِكَ، وَإِلَى مَنْ يَعْصِيكَ.

فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِي حَلَفْتُ، لَا يَقْرَأُكُنَّ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا جَعَلْتُ الجَنَّةَ مَثْوَاهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَإِلَّا أَسْكَنْتُهُ حَظِيرَةَ القُدُسِ، وَإِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنِي المَكْنُونَةِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ نَظْرَةً، وَإِلَّا قَضَيْتُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ حَاجَةً، أَدْنَاهَا المَغْفِرَةُ، وَإِلَّا أَعَذْتُهُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ، وَنَصَرْتُهُ مِنْهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا المَوْتُ». وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ سَلَامَةَ بْنِ الكِنْدِيِّ قَالَ: كَانَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُعَلِّمُ النَّاسَ الصَّلَاةَ عَلَى نَبِيِّ اللهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ دَاحِيَ المَدْحُوَّاتِ، وَبَارِيءَ المَسْمُوكَاتِ، وَجَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَاتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا، اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ، وَرَافِعَ تَحِيَّتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، وَالفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالمَعْلُومِ الحَقِّ بِالحَقِّ، وَالدَّامِغِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ كَمَا كَمُلَ فَاضْطَلَعَ بِأَمْرِكَ لِطَاعَتِكَ مُسْتَوْفِرَاً فِي مَرْضَاتِكَ بِغَيْرِ مُلْكٍ فِي قَدَمٍ، وَلَا وَهَنٍ فِي عَزَمٍ، دَاعِيَاً لِوَحْيِكَ، حَافِظَاً لِعَهْدِكَ، مَاضِيَاً عَلَى نَفَادِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى تَبَسُّمَاً لِقَابِسٍ بِهِ هُدِيَتِ القُلُوبُ بَعْدَ خَرْصَاتِ الفِتَنِ وَالإِثْمِ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ، وَمَسَرَّاتِ الإِسْلَامِ وَمَاثَرَاتِ الأَحْكَامِ، فَهُوَ أَمِينُكَ المَأْمُونُ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ المَخْزُونِ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ، وَمَبْعُوثُكَ نِعْمَةً، وَرَسُولُكَ بِالحَقِّ رَحْمَةً، اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مُتَفَسَّحَاً فِي عَدْلِكَ وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ، لَهُ مُهَنَّيَاتٌ غَيْرُ مُكَدَّرَاتٍ مِنْ فَوْزِ ثَوَابِكَ المَعْلُومِ وَجَزِيلِ عَطَائِكَ المَجْلُولِ، اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ البَاقِينَ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ مَثْوَاهُ لَدَيْكَ وَنُزُلَهُ، وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَأَجْرَهُ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ، مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، مَرْضِيَّ المَقَالَةِ، ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ، وَكَلَامٍ فَصْلٍ، وَحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ عَظِيمٍ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَكَلِمَةُ مَثْوَى تَعْنِي المَنْزِلَ، وَالمَنْزِلُ قَدْ يَكُونُ خَيْرَاً، وَقَدْ يَكُونُ شَرَّاً، وَإِنْ ذَكَرَ اللهُ تعالى كَلِمَةَ مَثْوَى في حَقِّ أَهْلِ النَّارِ، فَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ كَلِمَةَ مَثْوَى لَا تَعْنِي إِلَّا نُزُلَ أَهْلِ النَّارِ.

وَالقَاعِدَةُ البَلَاغِيَّةُ تَقُولُ: الاقْتِصَارُ لَا يَقْتَضِي الانْحِصَارَ، فَلَمَّا تَقُولُ: خَالِدٌ هُوَ القَائِدُ وَتَـحْصُرُ صِفَةَ القِيَادَةِ فِيهِ فَهَذَا مَدْحٌ يَعْنِي اقْتِصَارَ القِيَادَةِ في خَالِدٍ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَـقْتَضِي أَنَّ القِيَادَةَ انْحَصَرَتْ فِيهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ هَذِهِ الصِّفَةُ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
25556 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2023-12-29
 1121
اتَّصَلَتِ امْرَأَةٌ بِمُدِيرِهَا تُبَارِكُ لَهُ بِمَوْلُودٍ جَاءَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا مُنْذُ أَنْ عَرَفَهَا، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ يَزُورَهَا في زِيَارَةً خَاصَّةً، فَمَاذَا تَفْعَلُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَمُحَافِظَةٌ؟
رقم الفتوى : 12878
 السؤال :
 2023-12-29
 204
لَقَدْ دَعَانَا الإِسْلَامُ إلى العَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُسِيءِ، أَلَا تَرَى في ذَلِكَ ضَيَاعًا لِكَرَامَةِ الإِنْسَانِ؟
رقم الفتوى : 12876
 السؤال :
 2023-12-11
 574
أَنَا طَالِبُ عِلْمٍ، وَأَدْرُسُ الشَّرِيعَةَ، وَلَكِنَّ نَظْرَةَ المُجْتَمَعِ وَالأَقَارِبِ نَظْرَةٌ دُونِيَّةٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّنِي إِنْسَانٌ مُتَخَلِّفٌ، وَيُسْمِعُونِي كَلَامًا جَارِحًا، وَوَالِدِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، يَرَى الأَخْطَاءَ، فَأَقُولُ لَهُ: قَدِّمِ النُّصْحَ لَهُمْ، فَيَقُولُ: لَا شَأْنَ لَنَا مَعَ أَحَدٍ، فَبِمَ تَنْصَحُنِي؟
رقم الفتوى : 12849
 السؤال :
 2023-07-13
 2790
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ مُعَلِمَ الصِّبْيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
رقم الفتوى : 12644
 السؤال :
 2023-07-13
 1236
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المَحْرُومَ مِنَ الوَلَدِ إِذَا لَازَمَ الاسْتِغْفَارَ يُكْرِمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ؟
رقم الفتوى : 12642
 السؤال :
 2023-03-25
 7454
امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ، ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةَ الزِّنَا، وَتُرِيدُ أَنْ تَتُوبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا، وَتَتَزَوَّجَ مِنَ الزَّانِي بِهَا، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَتَهَا؟
رقم الفتوى : 12474

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412790979
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :