دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء

9550 - دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء

18-03-2019 7489 مشاهدة
 السؤال :
روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى الجَنَّةِ، بِأَرْبَعِينَ خَرِيفَاً». وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ». فهل هذا يدفع الإنسان ليكون فقيراً، ويترك العمل ويرضى بالفقر؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9550
 2019-03-18

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: لَقَدْ حَرَّضَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى العَمَلِ، وَعَلَى الكَسْبِ الحَلَالِ، حَتَّى نُؤَدِّيَ زَكَاةَ المَالِ الذي يَرْزُقُنَا اللهُ تعالى إِيَّاهُ، فَقَالَ تعالى في وَصْفِ عِبَادِهِ المُفْلِحِينَ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾. لَمْ يَقُلْ: مُؤَدُّونَ؛ بَلْ قَالَ: ﴿فَاعِلُونَ﴾. وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ يَعْمَلَ الإِنْسَانُ لِيَكُونَ غَنِيَّاً، حَتَّى يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِهِ.

ثانياً: لَقَدْ حَرَّضَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تَكُونَ يَدُنَا العُلْيَا لَا السُّفْلَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، فَاليَدُ العُلْيَا: هِيَ المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى: هِيَ السَّائِلَةُ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا يَقْعُدُ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبَاً وَلَا فِضَّةً.

وروى الإمام البخاري عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».

ثالثاً: أَمَّا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفَاً، أَو بِخَمْسُمِائَةِ عَامٍ، لَا يُفِيدُ أَنْ يَتَقَاعَسَ العَبْدُ عَنِ العَمَلِ، بَلْ هُوَ تَوْصِيفٌ لِحَالِ الفُقَرَاءِ وَالأَغْنِيَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ حِسَابَ الفَقِيرِ لَيْسَ كَحِسَابِ الغَنِيِّ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ المَالُ الحَلَالُ، سَوْفَ يُسْأَلُ عَنْهُ صَاحِبُهُ، مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَأَيْنَ أَنْفَقَهُ؟

وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَغْنِيَاءَ إِذَا تَأَخَّرُوا عَنْ دُخُولِ الجَنَّةِ، تَكُونُ مَنْزِلَتُهُمْ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَةِ الفُقَرَاءِ.

فَقَدْ يَكُونُ المُتَأَخِّرُ عَنْ دُخُولِهَا أَعْلَى مَنْزِلَةً وَإِنْ سَبَقَهُ غَيْرُهُ في الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ غَنِيَّاً شَاكِرَاً يَعْرِفُ للهِ حَقَّهُ في المَالِ، وَيَضَعُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ تعالى فَهُوَ في أَعْلَى المَنَازِلِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالَاً وَعِلْمَاً فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَدُخُولُ الفُقَرَاءِ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ لَا يُفِيدُ التَّقَاعُسَ عَنِ العَمَلِ، وَمَنْ سَبَقَ إلى الجَنَّةِ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِمَّنْ تَأَخَّرَ، فَهُنَاكَ مَنْ يَسْبِقُ إلى الرِّفْعَةَ دُونَ السَّبْقِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
7489 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2023-11-23
 3790
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)؟
 السؤال :
 2023-09-17
 3579
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَضَ إِحْضَارَ كِتَابٍ أَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ للأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ؟
 السؤال :
 2023-08-07
 3107
مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ»؟
 السؤال :
 2023-02-25
 3400
مَا صِحَّةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ»؟ وَمَا مَعْنَاهُ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 1875
لَقَدِ انْتَشَرَتْ في صُفُوفِ النِّسَاءِ الأَحَادِيثُ المَكْذُوبَةُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قِبَلِ بَعْضِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَتَظَاهَرْنَ بِأَنَّهُنَّ دَاعِيَاتٌ إلى اللهِ تعالى، فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟
 السؤال :
 2022-09-09
 3630
هُنَاكَ بَعْضُ المُشَكِّكِينَ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُونَ: أَيْنَ المُسَاوَاةُ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ»؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3152
المكتبة الصوتية 4740
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411764397
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :