111ـ مع الحبيب المصطفى: «إِذَا حَضَرْتُم الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً»

111ـ مع الحبيب المصطفى: «إِذَا حَضَرْتُم الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

111ـ  «إِذَا حَضَرْتُم الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: عِندَ المَوتِ يُقسَمُ النَّاسُ إلى قِسمَينِ:

قِسمٌ تَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ بالبِشَارَةِ، وهُم أهلُ الاستِقامَةِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم﴾.

وقِسمٌ تَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ بالنِّذَارَةِ، وهُمُ الظَّالِمونَ، قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِم أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُون﴾.

المَوتُ آتٍ لا مَحالَةَ، قال تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد﴾. أينَ المَفَرُّ في الحَياةِ؟ الكُلُّ في قَبضَةِ مَولانا عزَّ وجلَّ، أنفاسٌ مَعدودَةٌ، وخَواطِرُ مَعلومَةٌ، وألفاظٌ مَكتوبَةٌ، واللَّحظُ مَحسوبٌ، رَقابَةٌ رَهيبَةٌ من إلهٍ عَظيمٍ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: قَولُهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. كافٍ لأنْ يَعلَمَ العَبدُ أنَّهُ مُراقَبٌ من قِبَلِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَكَيفَ إذا عَلِمَ أنَّهُ مُراقَبٌ من قِبَلِ مَلَكَينِ كَريمَينِ يُسَجِّلانِ عَلَيهِ كُلَّ كَلِمَةٍ وحَرَكَةٍ؟ قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين * كِرَاماً كَاتِبِين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون﴾.

رُوِيَ عن الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أنَّهُ كانَ يَئِنُّ في سَكَراتِ المَوتِ، فقيلَ لهُ: إنَّ الأنينَ يُكتَبُ، فلم يُسمَعْ لهُ أنينٌ حتَّى ماتَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

«كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَد الْتَقَمَ الْقَرْنَ؟»:

أيُّها الإخوة الكرام: كَيفَ يَتَقَلَّبُ أحَدُنا في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا وهوَ غَافِلٌ عن هذهِ الحَقيقَةِ؟

لو نَظَرنا إلى سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَوَجَدْنا الفَارِقَ كَبيراً بَينَ من عَرَفَ اللهَ تعالى، وبَينَ من غَفَلَ عن الله تعالى، روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَد الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، يَسَّمَّعُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ؟».

فَقَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ: كَيْفَ نَقُولُ؟

قَالَ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى الله تَوَكَّلْنَا».

أيُّها الإخوة الكرام: تَذَكَّروا بأنَّ المَوتَ آتٍ، وأنَّ بَعدَ المَوتِ بَعْثاً وعَرْضاً وحِساباً، وجَنَّةً أو ناراً.

لَيتَ الأمرَ تَوَقَّفَ عِندَ المَوتِ، فلو تَوَقَّفَ عِندَهُ لاستَراحَ النَّاسُ، ولكنَّ بَعدَ المَوتِ بَعْثٌ وحَشْرٌ وعَرْضٌ وحِسابٌ على الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾.

أعمارُنا في حِسابِ الزَّمَنِ لَحَظاتٌ، والنَّتيجَةُ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيه﴾. وكما قال تعالى: ﴿كَلا إِذَا بَلَغَت التَّرَاقِي * وَقِيلَ مَنْ رَاق * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاق * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاق * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاق﴾.

أَنِّي لله عَبدٌ، وأَنِّي إلَيهِ رَاجِعٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: الرُّجوعُ إلى الله تعالى مُحَقَّقٌ، والسَّعيدُ من أعَدَّ لله تعالى جَواباً يَومَ القِيامَةِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى الفُضَيلَ بنَ عِياضٍ عِندَما سَألَ رَجُلاً عن عُمُرِهِ، فقال: سِتُّونَ سَنَةٍ.

قال: إذاً أنتَ مُنذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسيرُ إلى الله تعالى، تُوشِكُ أن تَصِلَ.

فقال: إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجِعونَ.

قال: يا هذا، أَتَعرِفُ ما مَعنَاهَا؟

قال: نَعَم، أَعلَمُ أَنِّي لله عَبدٌ، وأَنِّي إلَيهِ رَاجِعٌ.

قال الفُضَيلُ: مَن عَلِمَ أَنَّهُ لله عَبدٌ، وأنَّهُ إلَيهِ رَاجِعٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَوقوفٌ بَينَ يَدَيهِ، ومَن عَلِمَ أَنَّهُ مَوقوفٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَسؤولٌ، ومَن عَلِمَ أَنَّهُ مَسؤولٌ فَلْيُعِدَّ للسُّؤالِ جَواباً.

فَبَكَى الرَّجُلُ وقال ما الحِيلَةُ؟

قال الفُضَيلُ: يَسيرُهُ.

قال الرَّجُلُ: ما هيَ يَرحَمُكَ اللهُ؟

قال الفُضَيلُ: أن تَتَّقِيَ اللهَ فيما بَقِيَ يَغفِرُ اللهُ لكَ ما قد مَضَى.

«إِذَا حَضَرْتُم الْمَرِيضَ أَو الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً»:

أيُّها الإخوة الكرام: المَوتُ آتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ منَّا، فهوَ حَتْمٌ لازِمٌ، ولا يَنجو منهُ أحَدٌ، فَلَقِّنوا أنفُسَكُم كَلِمَةَ التَّوحيدِ دائِماً، ولَقِّنوها مَوتاكُم، وإذا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، وخاصَّةً إذا كانَ مَريضَ المَوتِ فلا تَقولوا في حَضرَتِهِ إلا خَيراً، روى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَو الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ».

قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ.

قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً».

قَالَتْ: فَقُلْتُ؛ فَأَعْقَبَنِي اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ، مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ومن جُملَةِ قَولِ الخَيرِ الدُّعاءُ لهُ بالمَغفِرَةِ والثَّباتِ، لأنَّ المَلائِكَةَ تُؤَمِّنُ على دُعائِكُم، ومن الخَيرِ أن تَقولوا عِندَ من حَضَرَتْهُ الوَفاةُ: اللَّهُمَّ أجُرْنا في مُصيبَتِنا، وعَوَّضْنا خَيراً منها.

لذلكَ قالَ عُلَماؤُنا: يُستَحَبُّ أن يَحضُرَ المَيِّتَ الصَّالِحونَ وأهلُ الخَيرِ حالَةَ مَوتِهِ لِيُذَكِّروهُ، ويَدعوا لهُ ولمن يَخلُفُهُ، ويَقولوا خَيراً، فَيَجتَمِعُ دُعاؤُهُم وتَأمينُ المَلائِكَةِ، فَيَنتَفِعُ بذلكَ المَيِّتُ ومن يُصابُ بهِ، ومن يَخلُفُهُ.

تَغميضُ المَيتِ وتَغطِيَتُهُ بِثَوبٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: يُستَحَبُّ تَغميضُ المَيتِ وتَغطِيَتُهُ بِثَوبٍ إذا خَرَجَت رُوحُهُ، وهذا من السُّنَّةِ.

روى الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».

فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ».

ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ».

ويَنبَغي أن يَكونَ تَغميضُ عَينَيهِ بَعدَ التَّأَكُّدِ من خُروجِ رُوحِهِ، روى أبو داود عن مُحَمَّدِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْمُقْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَيْسَرَةَ رَجُلاً عَابِداً يَقُولُ: غَمَّضْتُ جَعْفَراً الْمُعَلِّمَ وَكَانَ رَجُلاً عَابِداً فِي حَالَةِ الْمَوْتِ، فَرَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي لَيْلَةَ مَاتَ يَقُولُ: أَعْظَمُ مَا كَانَ عَلَيَّ تَغْمِيضُكَ لِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ.

فالسُّنَّةُ تَغميضُ عَينَيِ المَيتِ بَعدَ مَوتِهِ، ثمَّ تَغطِيَتُهُ بِثَوبٍ، وهذا ما فَعَلَهُ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الشيخان عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ.

وفي روايةِ الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ ـ قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ ـ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: والله مَا مَاتَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: والله مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ.

فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ وقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيَّاً وَمَيِّتاً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُذِيقُكَ اللهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَداً.

ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ، عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ.

وفي رِوايَةِ الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى صِدْغَيْهِ وَقَالَ: وَانَبِيَّاهْ، وَاخَلِيلَاهْ، وَاصَفِيَّاهْ.

«فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً»:

أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ هوَ الذي خَتَمَ اللهُ تعالى عَمَلَهُ بِطَاعَةٍ لله عزَّ وجلَّ، كما أنَّ الشَّقِيَّ والعِياذُ بالله تعالى من خُتِمَ لهُ على مَعصِيَةٍ.

من السُّنَّةِ تَغميضُ عَينَيِ المَيتِ وتَغطِيَتُهُ بِثَوبٍ إلا إذا كانَ مُحرِماً بِحَجٍّ أو عُمرَةٍ، فإنَّهُ لا يُغَطَّى وجهُهُ ولا رَأسُهُ، لأنَّهُ سَيُبعَثُ يَومَ القِيامَةِ على الحَالَةِ التي ماتَ عَلَيها.

روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ ـ أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ ـ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَعَلَّمْ كَيفَ نَتَعَامَلُ مَعَ من حَضَرَتْهُ الوَفاةُ، رَجاءَ أن يُكرِمَنا اللهُ تعالى عِندَ وَفاتِنا أن يُعامِلَنا بما سَنَّ لنا سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخاصَّةً تَلقينُ الشَّهَادَتَينِ، وأن لا يَقولوا إلا خَيراً عِندَ مَوتِنا، وأن يُغمِضوا عَينَينا بَعدَ خُروجِ الرُّوحِ، وأن يُغَطُّونا بِثَوبٍ بَعدَ مَوتِنا.

ونَسألُ اللهَ تعالى أن يَجعَلَ خَيرَ أعمالِنا خَواتِيمَها، وخَيرَ أيَّامِنا يَومَ نَلقاهُ وهوَ راضٍ عنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 17/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 17/شباط/ 2014م
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2317 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2317
20-06-2019 1386 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1386
28-04-2019 1169 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1169
28-04-2019 1180 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1180
21-03-2019 1760 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1760
13-03-2019 1625 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1625

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412524078
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :