8ـ أشراط الساعة: قَتْلُ قُفْلُ الفتنة رَضِيَ اللهُ عَنهُ

8ـ أشراط الساعة: قَتْلُ قُفْلُ الفتنة رَضِيَ اللهُ عَنهُ

 

 أشراط الساعة

8ـ قَتْلُ قُفْلُ الفتنة رَضِيَ اللهُ عَنهُ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من تَقدِيرِ العَلِيمِ الحَكِيمِ أن حَجَبَ عِلْمَ وَقتِ قِيَامِ السَّاعَةِ عن جَمِيعِ خَلْقِهِ، غَيرَ أنَّ سَيِّدَنا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخبَرَ عن أَشرَاطِهَا، بِمَا جَاءَهُ من رَبِّهِ عزَّ وجلَّ القَائِلِ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾.

من أَشرَاطِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَ عَنهَا سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وأَرضَاهُ.

إنَّ بَينَكَ وبَينَهَا بَابَاً مُغلَقَاً:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام البخاري عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟

قُلْتُ: أَنَا كَمَا قَالَهُ.

قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ ـ أَوْ عَلَيْهَا ـ لَجَرِيءٌ.

قُلْتُ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ».

قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنْ، الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ.

قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَاباً مُغْلَقاً.

قَالَ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟

قَالَ: يُكْسَرُ.

قَالَ: إِذاً لَا يُغْلَقَ أَبَداً.

قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟

قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقاً فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ.

إنَّ أَكثَرَ الفِتَنِ التي ظَهَرَتْ في المُسلِمِينَ مُنذُ صَدْرِ الإسلامِ وحَتَّى قِيَامِ السَّاعَةِ مَنبَعُهَا من الشَّرقِ، حَيثُ يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطَانِ، وقد أَخبَرَ بذلكَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا».

قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟

قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا».

قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟

قَالَ: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» رواه الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

وفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري أيضاً عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».

وفي رِوَايَةٍ للطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: دَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَكَّتِنَا وَمَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَيَمَنِنَا».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَعِرَاقِنَا؟

فَقَالَ: «إِنَّ بِهَا قَرْنَ الشَّيْطَانِ ـ حِزبُهُ وأتبَاعُهُ، أو قُوَّتُهُ وطَاقَتُهُ ـ ، وَتَهِيجُ الْفِتَنُ، وَإِنَّ الْجَفَاءَ بِالْمَشْرِقِ».

قُفْلُ الفِتنَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد اشتُهِرَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَ بَعضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِقُفْلِ الفِتنَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوسَطِ عن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ لَقِيَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَغَمَزَهَا، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلاً شَدِيدَاً.

فَقَالَ: أَرْسِلْ يَدِي يَا قُفْلَ الفِتنَةِ.

فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا قُفْلُ الفِتنَةِ؟

قَالَ: جِئتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَومٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجتَمَعَ عَلَيهِ النَّاسُ، فَجَلَستُ في آخِرِهِم.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لا تُصِيبُكُم فِتنَةٌ مَا دَامَ هذا فِيكُم».

ولهذا لم تَظْهَرِ الفِتَنُ في زَمَنِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لأنَّ وُجُودَهُ كَانَ بَابَاً مَانِعَاً من ظُهُورِهَا، فَهُوَ بَابٌ مُوصَدٌ بِإحكَامٍ، فَلَمَّا قُتِلَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وتَحَقَّقَتْ فِيهِ بِشَارَةُ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَروِي الإمام البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُداً وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ.

فَقَال:َ «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ».

وكَمَا يَروِي الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ».

نَعَم أيُّها الإخوة الكرام، عِندَمَا قُتِلَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، ونَالَ شَرَفَ الشَّهَادَةِ انكَسَرَ البَابُ، وظَهَرَتِ الفِتَنُ، ثمَّ تَحَادَّتْ وانتَشَرَتْ، مَا زَالَتْ في ازدِيَادٍ إلى يَومِنَا هذا، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

الحَمْدُ للهِ الذي لم يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإسلامَ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ عَمرُو بنُ مَيمُونٍ في قِصَّةِ قَتْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَينِي وَبَينَهُ إلا عَبدُ اللِه بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إذا مَرَّ بَينَ الصَّفَّينِ قَالَ: اسْتَوُوْا، فَإذا استَوُوا، تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أو النَّحلَ أو نَحْوَ ذلكَ في الرَّكعَةِ الأولى،حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ.

فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي ـ أَوْ أَكَلَنِي ـ الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ ـ الْقَوِيُّ الضَّخْمُ ـ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِيناً وَلَا شِمَالاً إِلَّا طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِن الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُساً ـ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً ـ فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ ـ للصَّلاةِ بالنَّاسِ ـ  فَمَنْ يَلِي عُمَرَ، فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللهِ.

فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي.

فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَامُ الْمُغِيرَةِ.

قَالَ: الصَّنَعُ؟ ـ أي: الصَّانِعُ الحَاذِقُ ـ.

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفاً، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ ـ يُرِيُدُ العَبَّاسَ وابنَهُ عَبدَ اللهِ ـ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقاً.

فَقَالَ عَبدُ اللهِ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ، أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا.

قَالَ: كَذَبْتَ ـ أي: أَخطَأتَ ـ بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ.

فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ.

فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ.

فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ.....

وَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِن الدَّيْنِ، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً أَوْ نَحْوَهُ.

قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ، فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ، وانْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيراً، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.

فَسَلَّمَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي.

فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.

فَقَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلَأُوثِرَنَّهُ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي.

فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ.

قَالَ: ارْفَعُونِي.

فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟

قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ.

قَالَ: الْحَمْدُ للهِ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلنِي، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أُذِنَ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سَلْبَ نِعمَةِ الأَمْنِ من بَينِ النَّاسِ، وسَلْبَ العَافِيَةِ من البَدَنِ، لَمِن أَعظَمِ الفِتَنِ، وأَجسَمِ المِحَنِ، لذلكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آمِرَاً أَصحَابَهُ بالتَّعَوُّذِ من الفِتَنِ: «تَعَوَّذُوا باللهِ مِن الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ».

قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِن الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. رواه الإمام مسلم عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

والسَّعِيدُ من يَستَطِيعُ أن يُسَطِّرَ أَيَّامَ الفِتَنِ والمِحَنِ المَوَاقِفَ المَرضِيَّةَ عِندَ اللهِ تعالى، وذلكَ بِكَفِّ يَدِهِ ولِسَانِهِ عن إيذَاءِ المُسلِمِينَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا من جَمِيعِ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ، ورَحِمَ اللهُ تعالى ورَضِيَ عَمَّن كَانَ قُفْلَ الفِتنَةِ، وحَشَرَنَا مَعَهُ تَحتَ لِوَاءِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الأربعاء: 11/صفر/1435هـ، الموافق: 3/كانون الأول / 2014م

 2014-12-03
 2047
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أشراط الساعة

23-12-2015 12571 مشاهدة
51ـ أشراط الساعة: تقارب الزمان

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَنَا عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَلَمَّا تَظْهَرْ بَعْدُ، تَقَارُبُ الزَّمَانِ، وَقَد وَقَعَ مَبَادِيهِ وَلَمْ يَسْتَحْكِمْ. ... المزيد

 23-12-2015
 
 12571
09-12-2015 17556 مشاهدة
50ـ أشراط الساعة: قلة الرجال, وكثرة النساء

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي تَحَدَّثَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ذَهَابُ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ خَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ. ... المزيد

 09-12-2015
 
 17556
02-12-2015 6148 مشاهدة
49ـ أشراط الساعة: مرور الرجل بقبر, يتمنى لو كان مكانه

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، والتي لَمْ تَقَعْ بَعْدُ بِشَكْلٍ عَامٍّ؛ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ من القُبُورِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ، ... المزيد

 02-12-2015
 
 6148
25-11-2015 27722 مشاهدة
48ـ أشراط الساعة: الريح الطيبة التي تأخذ أرواح المؤمنين

من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: إِرْسَالُ رِيحٍ لَطِيفَةٍ بَارِدَةٍ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ المُؤْمِنِينَ، ... المزيد

 25-11-2015
 
 27722
17-11-2015 5566 مشاهدة
47ـ أشراط الساعة: شمول الإسلام أرجاء المعمورة

مِن عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ: اِنْتِشَارُ الإِسْلَامِ في أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ، حَتَّى يَشْمَلَ جَمِيعَ مَا على سَطْحِ الأَرْضِ، بِحَيْثُ لا يَبْقَى بَيْتُ حَجَرٍ، ولا وَبَرٍ، ولا مَدَرٍ، إلا وَيَدْخُلُهُ هذا الدِّينُ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، ... المزيد

 17-11-2015
 
 5566
11-11-2015 10594 مشاهدة
46ـ أشراط الساعة: نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيُّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ. ... المزيد

 11-11-2015
 
 10594

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411971305
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :