16ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: كانت كأمها رَضِيَ اللهُ عَنها

16ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: كانت كأمها رَضِيَ اللهُ عَنها

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

16ـ كانت كأمها رَضِيَ اللهُ عَنها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: في العَامِ العَاشِرِ من بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبَعْدَ إِنْهَاءِ المُقَاطَعَةِ الجَائِرَةِ التي ضَرَبَتْهَا قُرَيشٌ على سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ومَن انْحَازَ إِلَيهَا، تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، ولَيسَ يَدْرِي إلا اللهُ كَم كَانَ وَجْدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ، إذْ كَانَ لَهُ خَيرَ نَصِيرٍ، يَدْرَأُ عَنهُ الأَعدَاءُ، ويَجْمَعُ لَهُ مَن حَوْلَهُ من الأَقْرِبَاءِ، ويُمَكِّنُهُ من تَبْلِيغِ دَعْوَتِهِ رَغْمَ أَنْفِ المُشْرِكِينَ.

ثمَّ تُوُفِّيَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ الكبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنها بَعدَ وَفَاةِ عَمِّهِ بِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ جِدَّاً، فَتَفَطَّرَ فُؤَادُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيهَا، واشْتَدَّتْ لَوْعَتُهُ، فَقَد كَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها نِعْمَ العَشِيرُ والنَّصِيرُ مُدَّةَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً، لَمْ يَسْمَعْ مِنهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً تُؤْذِيهِ، ومَا رَأَى مِنهَا مَظْهَرَاً يُؤْلِمُهُ، بَل كَانَتْ مِثَالَ المَرأَةِ الصَّالِحَةِ، إنْ نَظَرَ إِلَيهَا سَرَّتْهُ، وإنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، اسْتَجَابَتْ لِدَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ودَخَلَتْ مَعَهُ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَا أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أن يَعْلَمَ كَيفَ اسْتَطَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَحَمُّلَ فَقْدِ عَمِّهِ، ولا كَيفَ تَحَمَّلَ أن يَرَى زَوجَتَهُ الوَفِيَّةَ وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُدْخِلُهَا قَبْرَهَا الذي هوَ رَوضَةٌ من رِيَاضِ الجَنَّةِ.

وَوَدَّعَ المُسْلِمُونَ أُمَّهُم أُمَّ المُؤمِنِينَ، وَدَّعُوا أُمَّ الإِسْلامِ، وأُمَّ الدَّعْوَةِ الإِسْلامِيَّةِ، أمَّا السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها فقد كَانَتْ تَبْكِي لذلكَ الفِرَاقِ الجَسَدِيِّ المَكْتُوبِ على كُلِّ حَيٍّ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، تَبْكِي رَضِيَ اللهُ عَنها لأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى رَكَّبَ الإِنسَانَ على تِلكَ العَوَاطِفِ والأَحَاسِيسِ والمَشَاعِرِ، تَبْكِي وهيَ تَقُولُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ.

دَوْرُ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها بَعْدَ أُمِّهَا رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد لَمَسَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها عِبْءَ الأَحْزَانِ على أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقد مَاتَ اثْنَانِ كَانَا أَكْبَرَ نَصِيرَيْنِ لَهُ، وبَعدَ مَوْتِهِمَا اشْتَدَّتِ المَصَائِبُ، وبَلَغَتْ ذِرْوَتَهَا، فقد تَجَرَّأَ المُشْرِكُونَ على سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكَاشَفُوهُ النَّكَالَ والأَذَى بَعدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ، وتَجَرَّؤُوا كذلكَ على أَصْحَابِهِ الكِرَامِ، وخَاصَّةً الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

روى الإمام البخاري عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً.

فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَاً قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ، فَأَعْبُدَ رَبِّي.

قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ.

فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟

فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا.

قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ.

ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.

فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِن الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ.

«فَإِنَّ اللهَ مَانِعٌ أَبَاك»:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ازْدَادَ الحُزْنُ على السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، لِمَا كَانَتْ تَرَى من إِيذَاءِ المُشْرِكِينَ لأَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ولأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، ولَيسَ من سَبِيلٍ أَمَامَهُم إلا الصَّبْرُ والمُصَابَرَةُ.

جَاءَ في كِتَابِ الرَّوضِ الأُنفِ، وفي سِيرَةِ ابنِ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ يَشْكُو إلَيْهَا؛ وَبِهُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ عَضُدَاً وَحِرْزَاً فِي أَمْرِهِ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرَاً عَلَى قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ.

فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابَاً.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا نَثَرَ ذَلِك السَّفِيهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ التُّرَابَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ.

فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا: «لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ، فَإِنَّ اللهَ مَانِعٌ أَبَاك».

قَالَ: وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: «مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئَاً أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ».

بِلالُ بنُ رَبَاحٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَرَى المِحْنَةَ قد ازْدَادَتْ واشْتَدَّتْ، وشَاهَدَتْ كَيفَ كَانَ المُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ بالمُسْلِمِينَ، فهذا سَيِّدُنَا بِلالُ بنُ رَبَاحٍ الحَبَشِيُّ الأَسْوَدُ، صَاحِبُ البَشَرَةِ السَّمْرَاءِ النَّيِّرَةِ، تَأْخُذُهُ قُرَيشٌ للعَذَابِ على رِمَالِ مَكَّةَ المُلْتَهِبَةِ، وتُلْبِسُهُ دِرْعَ الحَدِيدِ، ويُحْرِقُونَهُ بِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ المُتَّقِدَةِ، ويُلْهِبُونَ ظَهْرَهُ بالسِّيَاطِ، لِيَنَالَ من سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ويَذْكُرَ آلِهَتَهُم بِخَيرٍ، وهوَ يَقُولُ لَهُم: أَحَدٌ أَحَدٌ.

فَيَقُولُونَ لَهُ: قُلْ كَمَا نَقُولُ.

فَيُجِيبُهُم: إنَّ لِسَانِي لا يُحْسِنُهُ، وواللهِ لَو أَعْلَمُ كَلِمَةً هيَ أَغْيَظُ لَكُم مِنهَا لَقُلْتُهَا.

«صَبْرَاً آلَ يَاسِرٍ»:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَتَلَقَّى دُرُوسَ الصَّبْرِ والمُصَابَرَةِ أَيَّامَ المِحَنِ التي ازْدَادَتْ وتَفَاقَمَتْ، والمُسْلِمُونَ مَعَ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُونَ إلا الصَّبْرَ على القَضَاءِ، وتَفْوِيضَ الأَمْرِ للهِ تعالى، وهُمْ يَنْتَظِرُونَ الفَرَجَ من اللهِ تعالى.

لقد كَانَتْ تَرَى مَا حَلَّ بِعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ وأَبَوَيْهِ، كَمَا جَاءَ في الرَّوضِ الأُنفِ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَبِيهِ وأُمِّهِ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إسْلَامٍ، إذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ يُعَذِّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكَّةَ.

فَيَمُرُّ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول، فِيمَا بَلَغَنِي: «صَبْرَاً آلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ».

فَأَمَّا أُمُّهُ فَقَتَلُوهَا، وَهِيَ تَأْبَى إلا الْإِسْلَامَ.

وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ الذِي يُغْرِي بِهِمْ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، إذَا سَمِعَ بِالرَّجُلِ قَدْ أَسْلَمَ، لَهُ شَرَفٌ وَمَنَعَةٌ أَنَّبَهُ وَأَخْزَاهُ، وَقَالَ: تَرَكْتَ دِينَ أَبِيك وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ؟ لَنُسَفِّهَنَّ حِلْمَكَ، وَلَنُفَيِّلَنَّ رَأْيَكَ، وَلَنَضَعَنَّ شَرَفَكَ؛ وَإِنْ كَانَ تَاجِرَاً قَالَ: واللهِ لَنُكَسِّدَنَّ تِجَارَتَكَ، وَلَنُهْلِكَنَّ مَالَكَ؛ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَاً ضَرَبَهُ وَأَغْرَى بِهِ.

مَعنَى: نُفَيِّلَنَّ رَأْيَكَ، أي: نُخْطِئَنَّ رَأْيَكَ.

كَانَتْ كَأُمِّهَا رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا:

أيُّها الإخوة الكرام: رَغْمَ هذهِ المِحَنِ القَاسِيَةِ التي تَمُرُّ على سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وأَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، ورَغْمَ كُلِّ هذهِ الصُّوَرِ القَاتِمَةِ الحَزِينَةِ، كَانَتِ البَسْمَةُ على شَفَتَيِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَمَامَ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأَنَّهَا تَعَوَّدَتْ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهَا أنَّ المِحْنَةَ يَعْقُبُهَا فَرَجٌ بِمِثْلِهَا أو أَشَدَّ مِنهَا، وهيَ تَرَى رَضِيَ اللهُ عَنها أنَّ الشِّدَّةَ التي تَمُرُّ على سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَد بَلَغَتْ ذُرْوَتَهَا، إذاً فالفَرَجُ قَادِمٌ لا مَحَالَةَ، والأَمْرُ يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ ومُصَابَرَةٍ.

كَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها تَبْتَسِمُ في وَجْهِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبِنَفْسِ الوَقْتِ كَانَتْ تَتَأَلَّمُ أَلَمَاً شَدِيدَاً، لأَنَّ وَالِدَهَا الكَرِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ على القَبَائِلِ خَارِجَ مَكَّةَ، وكُلُّهَا تُقَابِلُهُ بالصُّدُودِ، وسَعَتْ قُرَيشٌ سَعْيَهَا الظَّالِمَ لِتَسُدَّ عَلَيهِ المَنَافِذَ من كُلِّ مَكَانٍ.

عَرَضَ ذَاتَهُ الشَّرِيفَةَ على القَبَائِلِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَتَأَلَّمُ أَلمَاً كَبِيرَاً عِنْدَمَا تَرَى وَالِدَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يعْرِضُ نَفْسَهُ على القَبَائِلِ، وعَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ يَتْبَعُهُ، وهوَ يَقُولُ للنَّاسِ: لا تَسْمَعُوا مِنهُ، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، إِنَّهُ سَاحِرٌ، إِنَّهُ كَاهِنٌ.

جَاءَ في سِيرَةِ ابنِ هِشَامٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ يُحَدِّثُهُ أَبِي، قَالَ: إنِّي لَغُلَامٌ شَابٌّ مَعَ أَبِي بِمِنىً، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَى مَنَازِلِ الْقَبَائِلِ مِن الْعَرَبِ، فَيَقُولُ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْدَادِ، وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِي، وَتُصَدِّقُوا بِي، وَتَمْنَعُونِي، حَتَّى أُبَيِّنَ عَن اللهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ».

قَالَ: وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ عَدَنِيَّةٌ.

فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ، قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: يَا بَنِي فُلَانٍ، إنَّ هَذَا إنَّمَا يَدْعُوكُمْ أَنْ تَسْلُخُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى مِنْ أَعْنَاقِكُمْ، وَحَلْفَاءَكُمْ مِن الْجِنِّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أُقَيْشٍ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِن الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ.

قَالَ: فَقُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، مَنْ هَذَا الذِي يَتْبَعُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ؟

قَالَ: هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو لَهَبٍ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا أن نَتَعَلَّمَ كَيفَ يَكُونُ الصَّبْرُ والمُصَابَرَةُ في أَيَّامِ الشَّدَائِدِ والمِحَنِ، وأن نَكُونَ على يَقِينٍ بِأَنَّ الفَرَجَ بَعدَ الشِّدَّةِ، والعِزَّةَ بَعدَ الذِّلَّةِ، والنُّورَ بَعدَ الظَّلامِ، وذلكَ من خِلالِ سِيرَةِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وسِيرَةِ آلِ بَيْتِهِ الأَطْهَارِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

كَمَا يَجِبُ عَلَينَا أن نَكُونَ على يَقِينٍ بِأَنَّ التَّقْوَى هيَ مِفْتَاحُ بَابِ الفَرَجِ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً﴾. وكذلكَ الاسْتِغفَارُ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجَاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجَاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» رواه أبو داود وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

عَلَينَا أيُّها الإخوة الكرام أن نُقِرَّ بِظُلْمِنَا لأَنفُسِنَا، لَعَلَّ اللهَ تعالى أن يُخْرِجَنَا من هذا الغَمِّ، وأن نُكْثِرَ من دُعَاءِ سَيِّدِنَا يُونُسَ عَلَيهِ السَّلامُ، عِنْدَمَا كَانَ في بَطْنِ الحُوتِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنَّا مَا أَهَمَّنَا وأَغَمَّنَا وأَكْرَبَنَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 20/جمادى الثانية /1435هـ، الموافق: 9/نيسان / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1392 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1392
13-02-2020 1948 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1948
23-01-2020 2580 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2580
16-01-2020 987 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 987
09-01-2020 1321 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1321
03-01-2020 1019 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1019

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412432304
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :