23ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: «أَمْرُ حَقٍّ, وَوَعْدُ صِدْقٍ»

23ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: «أَمْرُ حَقٍّ, وَوَعْدُ صِدْقٍ»

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

23ـ «أَمْرُ حَقٍّ، وَوَعْدُ صِدْقٍ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ اللهَ تعالى جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وتعالى أَمْرُهُ قد خَلَقَ النَّفْسَ البَشَرِيَّةَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾. وحَمَلَهَا في البَرِّ والبَحْرِ، ورَزَقَهَا من الطَّيِّبَاتِ، وفَضَّلَهَا على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلَاً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا خَلَقَ اللهُ تعالى في نَفْسِ الإِنسَانِ المَشَاعِرَ والانْفِعَالاتِ والعَوَاطِفَ والأَحَاسِيسَ التي تُعَبِّرُ عَنهَا النَّفْسُ من خِلالِ الضَّحِكِ والبُكَاءِ، والهَمِّ والغَمِّ، والحِلْمِ والغَضَبِ، والحُزْنِ والسُّرُورِ، بِقَدَرِ مَا يَعْتَرِي الإِنسَانَ من دَوَاعٍ تَسْتَجْلِبُ أَيَّاً كَانَ من تِلْكُمُ المَشَاعِرِ ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من هذهِ المَشَاعِرِ والانْفِعَالاتِ المُودَعَةِ في النَّفْسِ شُعُورُ الحُزْنِ والأَسَفِ، وهوَ شُعُورٌ يَعْتَرِضُ الإِنسَانَ أَمَامَ المَصَائِبِ والنَّوَازِلِ، غَيْرَ أَنَّ سَلامَةَ الإِنسَانِ واسْتِقْرَارَ حَالِهِ يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ دَوَامِ هذا الشُّعُورِ، وإلا كَانَ صَاحِبُهُ حَرَضَاً أو كَانَ من الهَالِكِينَ، كَمَا أَنَّهُ في الوَقْتِ نَفْسِهِ لَو عَاشَ دَائِمَ الأَفْرَاحِ لا يَتَطَرَّقُ إِلَيهِ الحُزْنُ بِوَجْهٍ من الوُجُوهِ لَخُشِيَ عَلَيهِ قَسْوَةُ القَلْبِ أو مَوْتُهُ.

يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: يَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يَحْزَنْ أَنْ يَخَافَ أَنْ لا يَكُونَ من أَهْلِ الجَنَّةِ؛ لأَنَّهُم قَالُوا: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾. وَيَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يُشْفِقْ أَنْ يَخَافَ أَنْ لا يَكُونَ من أَهْلِ الجَنَّةِ؛ لأَنَّهُم قَالُوا: ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾. رواه البيهقي.

ويَقُولُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِنَّ الْقَلْبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُزْنٌ خَرِبَ، كَمَا أَنَّ الْبَيْتَ إِذَا لَمْ يُسْكَنْ خَرِبَ. رواه البيهقي.

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على الإِنسَانِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَازِنَاً مُعْتَدِلاً، فلا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ لِنَفْسِهِ العِنَانَ في المُغَالاةِ في الحُزْنِ والمُدَاوَمَةِ حَتَّى يَكُونَ حَرَضَاً أو من الهَالِكِينَ.

الفَهْمُ الصَّحِيحُ للحُزْنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ الفَهْمَ الإِسْلامِيَّ الصَّحِيحَ في التَّعَامُلِ مَعَ الأَحْزَانِ فَهْمٌ فَرِيدٌ من نَوْعِهِ، وإِنَّمَا اخْتُصَّتْ بِهِ الأُمَّةُ الإِسْلامِيَّةُ دُونَ غَيْرِهَا، لأَنَّ مَفْهُومَ غَيْرِ المُسْلِمِينَ في التَّعَامُلِ مَعَهَا يُعَدُّ ضَيِّقَ النِّطَاقِ تَافِهَاً للغَايَةِ، ضَعِيفَ العِلاجِ، إذْ يَنْحَصِرُ التَّعَامُلُ مَعَ الأَحْزَانِ عِنْدَهُم في العَوِيلِ واللَّطْمِ والانْتِحَارِ، والمَصَحَّاتِ والعَقَاقِيرِ المُهَدِّئَةِ، وتَعَاطِي المُسْكِرَاتِ والمُخَدِّرَاتِ.

أَمَّا الفَهْمُ الإِسْلامِيُّ للحُزْنِ، فَهُوَ على أَنْوِاعٍ:

أولاً: حُزْنٌ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً، وهوَ الذي يَكُونُ على فَوَاتِ أَمْرٍ من أُمُورِ الدُّنيَا، ومِثْلُ هذا الحُزْنِ يَنْبَغِي للإِنسَانِ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَيهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ واللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

ثانياً: حُزْنٌ وَاجِبٌ، وهوَ الذي يُعَدُّ شَرْطَاً من شُرُوطِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، والمُتَمَثِّلُ في النَّدَمِ على فِعْلِ المَعْصِيَةِ، والنَّدَمُ حُزْنٌ في القَلْبِ.

ثالثاً: حُزْنٌ مُسْتَحَبٌّ، وهوَ الذي يَكُونُ بِسَبَبِ فَوَاتِ الطَّاعَةِ وضَيَاعِهَا على المَرْءِ، كَمَا ذَكَرَ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ عَن مَوْقِفِ الفُقَرَاءِ الذينَ لَمْ يَحْمِلْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنَاً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

رابعاً: حُزْنٌ مُبَاحٌ، وهوَ الذي يَكُونُ بِسَبَبِ نَازِلَةٍ ومُصِيبَةٍ أَحَلَّتْ بالمَحْزُونِ، كَفَقْدِ وَلَدٍ أو صَدِيقٍ      أو زَوْجَةٍ أو أُمٍّ، كَمَا قَالَ تعالى عَن سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.

مَوْتُ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: تَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بَعْدَ أَنْ بَلَغَ من العُمُرِ سِتِّينَ عَامَاً وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَقِيمَاً، كَمَا أَنَّ السَّيِّدَةَ مَارِيَّةً لَمْ تَكُنْ عَجُوزَاً، بِوَلَدِهِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، حَيْثُ سَمَّاهُ بهذا الاسْمِ تَيَمُّنَاً بِاسْمِ جَدِّ الأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتَصَدَّقَ بِوَزْنِ شَعْرِ المَولُودِ وَرِقَاً، ورَاحَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَرْقُبُ نُمُوَّهُ يَوْمَاً بَعْدَ يَوْمٍ، ويَجِدُ فِيهِ أُنْسَهُ ومَسَرَّتَهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَكِنَّ هذهِ السَّعَادَةَ لَمْ تَطُلْ سِوَى عَامٍ وبَعْضِ عَامٍ، مَرِضَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ولَمَّا يَبْلُغْ عَامَيْنِ من عُمُرِهِ، وبَدَأَتْ حَيَاتُهُ تَنْطَفِئُ فِيهِ رُوَيْدَاً رُوَيْدَاً، وانْتَشَرَ خَبَرُ مَرَضِهِ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وفي اللَّيْلَةِ العَاشِرَةِ من شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ من الهِجْرَةِ، رَقَدَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَحَوْلَهُ أُمُّهُ مَارِيَّةُ، وخَالَتُهُ سِيرِين، وأُخْتُهُ الوَحِيدَةُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ، ومَعَهُنَّ امْرَأَةُ أَبِي يُوسُفَ مُرْضِعَتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً، كُلُّهُنَّ بِجِوَارِهِ سَاهِرَاتٍ يُمْرِضْنَهُ، وكُلُّهُنَّ لَهْفَةٌ عَلَيهِ وقَلَقٌ، ولَكِنَّ اللهَ غَالِبٌ على أَمْرِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: في هذهِ الحَالِ جَاءَ أَبُوهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُعْتَمِدَاً على يَدِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِشِدَّةِ أَلَمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَحَمَلَ صَغِيرَهُ من حِجْرِ أُمِّهِ وهوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، وَوَضَعَهُ في حِجْرِهِ مَحْزُونَ القَلْبِ، وتَسَاقَطَ الدَّمْعُ من عَيْنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ، وهوَ يَرَى وَلَدَهُ الوَحِيدَ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ المَوْتِ، ويَسْمَعُ حَشْرَجَةَ احْتِضَارِهِ، تَخْتَلِطُ بِدُمُوعِ ونَهْنَهَاتِ مَنْ حَوْلَهُ، سَوَاءٌ من أُمٍّ أو أُخْتٍ أو خَالَةٍ أو مُرْضِعَةٍ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرَاً لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام ـ أي: أبَاً من الرَّضَاعَةِ، لأَنَّهُ كَانَ زَوْجَ المُرْضِعَةِ ـ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ الهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَذْرِفَانِ.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ».

ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».

«أَمْرُ حَقٍّ، وَوَعْدُ صِدْقٍ»:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الحُزْنُ المُبَاحُ لا يُخْرِجُ الإِنسَانَ عَن اعْتِدَالِهِ، بَل يُبْقِيهِ في دَائِرَةِ الشَّرْعِ يَسْتَحْضِرُ مَعَانِيَ الإِيمَانِ التي اسْتَقَاهَا من القُرْآنِ العَظِيمِ، أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾؟

أيُّها الإخوة الكرام: اِنْحَنَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ والدُّمُوعُ في عَيْنَيْهِ، وهوَ يُقَبِّلُ ابْنَهُ الرَّاحِلَ، ويَمْسَحُ بِيَدَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ على جُثْمَانِهِ.

روى البيهقي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِلَى النَّخْلِ، فإذا ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَتَبْكِي وَأَنْتَ تَنْهَى النَّاسَ؟

قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُنْهَ عن البُكَاءِ، إِنَّمَا نُهِيتُ عن النَّوْحِ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ لَعِبٍ وَلَهْوٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَهَذَا رَحْمَةٌ، وَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ، يَا إِبْرَاهِيمُ، لَوْلَا أَنَّهُ أَمْرُ حَقٍّ، وَوَعْدُ صِدْقٍ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ بِأَوَّلِنَا لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْنَاً هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَبْكِي الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَعَلَّمْ وخَاصَّةً ونَحنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزمَةَ التي كَثُرَتْ فِيهَا المَصَائِبُ والشَّدَائِدُ، كَيفَ يَكُونُ الحُزْنُ المُبَاحُ الذي لا يُضَيِّعُ على المُصَابِ أَجْرَ مُصِيبَتِهِ، ولا يَجْمَعُ على المُصَابِ مُصِيبَةً أُخْرَى، ألا وهيَ فَقْدُ الأَجْرِ.

ولنَتَعَلَّمْ كذلكَ أَنَّ حُزْنَ القَلْبِ، وبُكَاءَ العَيْنِ، من طَبْعِ النَّفْسِ وجِبِلَّتِهَا، فلا حَرَجَ فِيهِ ولا مُؤَاخَذَةَ.

وعَلَينَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ تعالى ونَسْتَرْجِعَ ونَرْضَى لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يكْرِمَنَا بالثَّمَرَةِ العَظِيمَةِ التي قَالَ اللهُ عَنهَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

وليَقُلْ كُلُّ صَاحِبِ مُصِيبَةٍ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرَاً مِنْهَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ، ومن الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلاءِ، ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 17/شعبان /1435هـ، الموافق: 4/حزيران / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1395 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1395
13-02-2020 1951 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1951
23-01-2020 2585 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2585
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1327 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1327
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412810154
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :