5ـ دروس رمضانية لعام 1436: يا حسرة على العباد يوم القيامة

5ـ دروس رمضانية لعام 1436: يا حسرة على العباد يوم القيامة

 

 5ـ دروس رمضانية لعام 1436: يا حسرة على العباد يوم القيامة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا أيُّها الإخوة الكرام:

لقد أَنعَمَ اللهُ نِعمَاً سَابِغَةً وآلاءَ بَالِغَةً، وأَعظمُ نِعمةٍ أَسبَغَهَا ربُّنا عزَّ وجلَّ عَلَيْنَا هيَ نِعمةُ الإِسْلامِ والإِيمَانِ، قَالَ تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُون﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: الإِسْلامُ هوَ الدِّينُ القَيِّمُ الذي فِيهِ صَلاحُ العِبادِ والبِلادِ، فِيهِ المَبَادِئُ السَّامِيَةُ، والأَخْلَاقُ العَالِيَةُ، والنُّظُمُ العَادِلَةُ، إنَّه الدِّينُ الذي نَفْخَرُ به، ونَشْرُفُ بِالانتِسَابِ إِلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُون﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: سَوْفَ نُسْأَلُ عنِ النِّعَمِ كُلِّهَا، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم﴾. وخاصَّةً عن نِعْمَةِ الإِسْلامِ والإِيمانِ، هَلْ حَافَظْنَا عَلَيْهَا بِالالْتِزَامِ، أَمْ ضَيَّعْنَاهَا بِعَدَمِ الالْتِزَامِ؟

بِالإِسْلامِ أَصْبَحَتِ الأُمَّةُ عَزِيزَةً، وَأَضْحَتْ مَتبُوعَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَابِعَةً، وَبِفَضْلِ اللهِ تعالى ومِنَّتِهِ عَلَيْنَا، صَارَتْ هذهِ الأُمَّةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، قَالَ تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. ليسَ بِالعُرُوبَةِ ولا بِوُجُوهِنَا صِرْنَا خَيْرَ الأُمَمِ، بَل بِنِعْمَةِ الإِسْلامِ، والالْتِزَامِ به ﴿تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾. وَرَضِيَ اللهُ تعالى عَن سَيِّدِنَا الفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ الذي كَانَ يَقُولُ: إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَومٍ، فَأَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلامِ، فَمَهمَا نَطلُبِ العِزَّةَ بِغيرِ مَا أَعَزَّنَا اللهُ به، أَذَلَّنَا اللهُ. رواه الحاكم عن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَنْ يَكُونَ عِزُّنَا بِعِلْمَانِيَّةٍ ولا مَدَنِيَّةٍ ولا بِتَشْرِيعَاتٍ وَضْعِيَّةٍ، لَنْ يَكُونَ عِزُّنَا إلا بالإِسْلامِ، حَيْثُ نُحِلُّ حَلَالَهُ ونُحرِّمُ حَرَامَهُ، ونَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ تعالى، وَنَقُولُ لِأَوَامِرِ اللهِ تعالى: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾.

فَفِي الإِسْلامِ عِزُّنَا في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وَهُوَ البَابُ الوَحِيدُ لِدُخُولِ الجنَّةِ بَعْدَ بِعْثَةِ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلا مَن كَانَ هُودَاً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون﴾.

فَالبَابُ الوَحِيدُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ بَعْدَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ بَابُ المُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ.

كُلُّ أَبْوَابِ الوَرَى مَغْلُوقَةٌ   ***   غَيرَ بَابِ المُصْطَفى مِنهُ الدُّخُولْ

أيُّها الإخوة الكرام: البَابُ الوَحِيدُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ هُوَ إِيمَانُنَا بِسيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والإِيمَانُ يَعْنِي التَّصْدِيقَ والعَمَلَ والطَّاعَةَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى» .

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهُودِيٌّ أَو نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِي دَخَلَ النَّارَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فَمَصيرُ أَهْلِ الكِتَابِ بَعْدَ بِعْثَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى النَّارِ إذا لم يُؤْمِنُوا بِهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّة﴾.

لِذَلِكَ حَقَدُوا عَلَيْنَا وَحَسَدُونَا على هذهِ النِّعْمَةِ، وَضَمَرُوا لَنَا من البَغْضَاءِ مَا لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ، وصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. فلا تُعَلِّقُوا آمَالَكُمْ أيُّها الإخوة الكرام لا بِيَهُودٍ ولا بِنَصَارَى ولا بِمَلاحِدَةٍ ، بَلْ عَلِّقُوهَا باللهِ تعالى بَعْدَ الالْتِزَامِ بِالإِسْلامِ.

يَا حَسْرَةً على العِبادِ إذا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى لِلحِسَابِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَنا اللهُ تعالى بِنِعْمَةِ الإِسْلامِ، وشَرَّفَنَا بِنِعْمَةِ التَّكْلِيفِ، فَبِنِعْمَةِ التَّكْلِيفِ أَصْبَحْنَا أَعِزَّةً، لأَنَّ تَكْلِيفَ اللهِ تعالى لَنَا هُوَ شَرَفٌ وعِزٌّ لَنَا، وَخَيْرُهُ رَاجِعٌ عَلَيْنَا وَلَيْسَ رَاجِعَاً على اللهِ تعالى، قَالَ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي: إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي.

يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً.

يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئَاً».

ثمَّ يَقُولُ تعالى: «يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَلَكِنَّ كَثِيرَاً من النَّاسِ ضَيَّعُوا هذا التَّكْلِيفَ، وَمَن ضَيَّعَهُ سَوْفَ يَتَحَسَّرُ إذا مَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى لِلعَرْضِ والحِسَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَا مَن زَهِدَ في الإِسْلامِ وأَعْرَضَ عَنهُ، أَنْتَ رَاجِعٌ إلى رَبِّكَ رَغْمَ أَنْفِكَ، سَوَاءٌ كُنْتَ حَاكِمَاً أو مَحْكُومَاً، قَوِيَّاً أو ضَعِيفَاً، غَنِيَّاً أو فَقِيرَاً، رَاجِعٌ إلى رَبِّكَ وَوَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: أَتَدْرُونَ مَا هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ؟ فَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ:

أولاً: المُلْكُ فِيهِ للهِ تعالى الوَاحِدِ القَهَّارِ:

أيُّها الإخوة الكرام: المُلْكُ للهِ تعالى في الحَيَاةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ، وَلَكِنْ شَاءَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ خَلْقِهِ المُلْكَ في الحَيَاةِ الدُّنيَا، قَالَ تعالى: ﴿تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاء﴾. فَظَنَّ هذا المَلِكُ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَأَنَّهُ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ نِدٌّ للهِ تعالى، هذا العَبْدُ الظَّانُّ هذا الظَّنَّ غَبِيٌّ، ومَا عِنْدَهُ ذَرَّةُ عَقْلٍ عِنْدَمَا يُفكِّرُ هذا التَّفْكِيرَ، مَا آتَاهُ اللهُ المُلْكَ إلا اخْتِبَارَاً وابْتِلَاءً، هَلْ يَطْغَى بِمُلْكِهِ أَمْ يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟

فَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ تَتَجَلَّى حَقِيقَةُ المُلْكِ بِأَنَّهُ للهِ تعالى، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار * اليَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ اليَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَاب﴾. أَجِيبُوا يَا حُكَّامَ العَرَبِ، وَيَا حُكَّامَ الدُّنيَا لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ؟

جَاءَ في الحَدِيثِ الذي رواه الإمام مسلم عَن عَبْد اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟».

هَلْ سَمِعْتُمْ هذا يَا مُلُوكَ الأَرْضِ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ هذا يَا حُكَّامَ النَّاسِ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ هذا يَا جَبابِرَةُ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ هذا يا مُتَكَبِّرونَ؟ فالمَلِكُ والمَالِكُ هُوَ اللهُ تعالى، والجَبَّارُ هُوَ اللهُ تعالى، والمتَكَبِّرُ هوَ اللهُ تعالى، والنَّاسُ هُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ تعالى، حُكَّامَاً ومَحْكُومِينَ، يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى لا تَخفَى مِنهُم خَافِيَةٌ، وَهُنَاكَ تَنْكَشِفُ الحَقَائِقُ، وتُبلَى السَّرَائِرُ، ويَشِيبُ الوِلْدَانُ، وتَذهَلُ المُرْضِعَةُ عَمَّا أَرْضَعَتْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيد﴾.

ثانياً: لا يَنْفَعُ فِيهِ النَّسَبُ:

أيُّها الإخوة الكرام: النَّاسُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا يَفْتَخِرُونَ بِأَنْسَابِهِمُ المَادِّيَّةِ، ولا يَفْتَخِرُونَ بِنَسَبِ التَّقْوَى ـ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى ـ يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

فَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ لا يَنْفَعُ نَسَبٌ، قَالَ تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُون﴾. فَكُلُّ نَسَبٍ مَوْضُوعٌ إلا نَسَبَ التَّقْوَى، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ في الكبير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، أَمَرَ اللهُ مُنَادِيَاً يُنَادِي: أَلا إِنِّي جَعَلْتُ نَسَبَاً، وَجَعَلْتُمْ نَسَبَاً، فَجَعَلْتُ أَكْرَمَكُمْ أَتْقَاكُمْ، فَأَبَيْتُمْ إِلا أَنْ تَقُولُوا: فُلانُ بنُ فُلانٍ خَيْرٌ مِنْ فُلانِ بنِ فُلانٍ، فَأَنَا اليَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي، وَأَضَعُ نَسَبَكُمْ، أَيْنَ المُتَّقُونَ؟». اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا منَ المُتَّقينَ.

فَالنَّسَبُ هُوَ نَسَبُ التَّقْوَى والاتِّبَاعِ والاقْتِدَاءِ، وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اِشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئَاً، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئَاً» متَّفقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وأخرج الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

ثالثاً: تَنْطِقُ فِيهِ الجَوَارِحُ:

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ شُهُودَ الدُّنيَا في قَضِيَّةٍ مَا قَد يَكْذِبُونَ وقَد يَكُونُونَ شُهُودَ زُورٍ، وقَد يُبَالِغُونَ في الحَقِيقَةِ، وقَد يَمْتَنِعُونَ عن الإِدْلَاءِ بِالشَّهَادَةِ خَوْفَاً من مُهَدِّدٍ، أو طَمَعَاً في مُرَغِّبٍ، وقَد تَكُونُ شَهَادَتُهُم غَامِضَةً، لَكِنَّ شُهُودَ يَوْمِ القِيَامَةِ صِنْفٌ آخَرُ من المَخْلُوقَاتِ، يَخْتَلِفُونَ تَمَامَاً عَن شُهُودِ الدُّنيَا، لا يَعْرِفُونَ الكَذِبَ، ولا يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، ولا يَزِيدُونَ ولا يَنْقُصُونَ، شَهَادَتُهُم وَاضِحَةٌ، عِبَارَتُهُم مَفْهُومَةٌ، قَالَ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: في يَوْمِ القِيَامَةِ يَشْهَدُ السَّمْعُ والبَصَرُ والجِلْدُ والرِّجْلُ واليَدُ وجَمِيعُ الجَوَارِحِ، فَيَا قَاتِلَ الأَبْرِيَاءِ، وَيَا سَافِكَ الدِّمَاءِ، ويَا مُرَوِّعَ النَّاسِ، ويَا مُيَتِّمَ الأَطْفَالِ، ويَا مُرَمِّلَ النِّسَاءِ، ويَا هَاتِكَ الأَعْرَاضِ، إذا اخْتَفَيْتَ بَعْدَ ارْتِكَابِ الجَرِيمَةِ ولَمْ تُعرَفْ في الدُّنيَا، فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ سَتُعرَفُ في أَرْضِ المَحْشَرِ عِنْدَمَا تَأْتِي جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصِيرُ، ولا تَخفَى مِنْكَ خَافِيَةٌ، وَتَشْهَدُ عَلَيْكَ جَوَارِحُكَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: يَا حَسْرَةً على العِبَادِ إذا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدَاً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾.

فَيَا أَيُّهَا الحَاكِمُ، ويَا أَيُّهَا القَاتِلُ، ويَا سَافِكَ الدِّمَاءِ، ويَا هَاتِكَ الأَعْرَاضِ، ويَا مُهَدِّمَ البُيُوتِ، ويَا مُرَوِّعَ النَّاسِ، واللهِ سَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاكَ حَافِيَاً عَارِيَاً فَقِيرَاً ذَلِيلَاً حَقِيرَاً، وَسَيَسْأَلُكَ مَوْلَاكَ: لِمَ قَتَلْتَ؟ لِمَ سَفَكْتَ؟ لِمَ هَتَكْتَ الأَعْرَاضَ؟ لِمَ رَوَّعْتَ؟ لِمَ يَتَّمْتَ الأَطْفَالَ؟ لِمَ رمَّلْتَ النِّسَاءَ؟ فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ لِمَوْلَاكَ؟

يَا حَسْرَةً على العِبَادِ إذا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى لا يَتَكَلَّمُونَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابَاً﴾.

يَا حَسْرَةً على العِبَادِ إذا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى، وَسَمِعُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُون * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم﴾.

فَيَا مَن عَبَدَ الشَّيْطَانَ ـ يَعْنِي أَطَاعَهُ وامْتَثَلَ أَمْرَهُ ـ سَوَاءٌ كَانَ شَيْطَانَاً جِنِّيَّاً أَمْ إِنْسِيَّاً، مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ، وَأَنْتَ المُجْرِمُ القَاتِلُ لِلأَبْرِيَاءِ، وَأَنْتَ المُجْرِمُ المرَوِّعُ لِلنَّاسِ، وَأَنْتَ المُجْرِمُ الهَاتِكُ لِلأَعْرَاضِ، وَأَنْتَ المُجْرِمُ المُيَتِّمُ لِلأَطْفَالِ والمُرَمِّلُ لِلنِّسَاءِ؟

مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عِنْدَمَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: ﴿لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار﴾؟

مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عِنْدَمَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: «أَيْنَ المُتَّقُونَ؟» فَهَلْ تَقُولُ: هَا أَنَا؟

مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عِنْدَمَا يَشْهَدُ عَلَيْكَ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَكُلُّ جَوَارِحِكَ؟ هَيِّئِ الجَوَابَ لِمَوْلَانَا عزَّ وجلَّ.

يَا عَبْدَ اللهِ، اِسْمَعْ هذا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ، حَيْثُ أَوْصَى بِهِ جِبْرِيلُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحبِبْ مَن شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُه، واعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُجْزَيٌّ بِهِ) رواه الحاكم عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعِزَّنَا بالإِسْلامِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا وَقَّافِينَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ في المَنشَطِ والمَكْرَهِ، في القُوَّةِ والضَّعْفِ، في الغِنَى والفَقْرِ، حَتَّى نَلْقَى اللهَ القَائِلَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾. فلا تَمُوتُوا إلا على الإِسْلامِ، لأَنَّهُ مِن بَابِ الإِسْلامِ تَدْخُلُونَ جَنَّةَ اللهِ، وإلا فَلَنْ يَدْخُلَهَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ مَن رَغِبَ عنِ الإِسْلامِ.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 10 / رمضان /1436هـ، الموافق: 27/ حزيران / 2015م

 2015-06-27
 1146
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 321 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 321
26-05-2022 693 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 693
26-05-2022 514 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 514
29-04-2022 386 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 386
29-04-2022 817 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 817
29-04-2022 918 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 918

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412713828
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :