211ـ مع الحبيب المصطفى: مر بنا رجل مبارك

211ـ مع الحبيب المصطفى: مر بنا رجل مبارك

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

211ـ مر بنا رجل مبارك

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ قَرَاءَةَ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَزِيدُ في إِيمَانِ المُؤْمِنِ، وتَزِيدُ في عَقِيدَتِهِ رُسُوخَاً وثَبَاتَاً، وتُقَوِّي عَزِيمَتَهُ، وتَقْذِفُ في قَلْبِهِ الطُّمَأْنِينَةَ.

ومن أَهْدَافِ قِرَاءَةِ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهَا تُوقِفُ العَبْدَ المُؤْمِنَ على المُعْجِزَاتِ التي أَجْرَاهَا اللهُ تعالى على يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، التي هيَ شَوَاهِدُ صِدْقِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ المُعْجِزَاتِ التي يُؤَيِّدُ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ومَن سَبَقَهُ من الأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُسْتَفَادُ مِنهَا أَمْرَانِ:

الأَمْرُ الأَوَّلُ: الإِيمَانُ باللهِ تعالى الذي أَوْجَدَهَا.

الأَمْرُ الثَّانِي: الإِيمَانُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ التي جَرَتْ على يَدَيْهِ تِلْكَ المُعْجِزَاتُ.

كُلُّ مُعْجِزَةٍ تَكُونُ مُنَاسِبَةً لِقَوْمِ النَّبِيِّ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَرْسَلَ اللهُ تعالى المُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ، وأَيَّدَهُم بالمُعْجِزَاتِ التي تَدُلُّ على صِدْقِهِم، وتُبَرْهِنُ على أَمَانَتِهِم، ولَمَّا كَانَتْ عُقُولُ النَّاسِ ومَدَارِكُهُم مُتَفَاوِتَةً ومُخْتَلِفَةً فقد آتَى اللهُ تعالى كُلَّ نَبِيٍّ من الأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُعْجِزَةً تُنَاسِبُ قَوْمَهُ.

لَمَّا كَانَ السِّحْرُ فَاشِيَاً في قَوْمِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، أَيَّدَهُ اللهُ تعالى بالعَصَا، فَلَقَفَتْ مَا صَنَعُوا من بَاطِلٍ في حِبَالِهِم وعِصِيِّهِم التي سَحَرُوا بِهَا أَعْيُنَ النَّاسِ ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾.

وحِينَ كَانَ الزَّمَنُ الذي يَعِيشُ فيهِ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ قَد فَشَا فِيهِ الطِّبُّ وبَرَعَ فِيهِ قَوْمُهُ، آتَاهُ اللهُ تعالى مُعْجِزَةً من جِنْسَ مَا تَفَوَّقَ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَ يُحْيِي المَوْتَى، ويُبْرِئُ الأَكْمَهَ الذي يُولَدُ أَعْمَى والأَبْرَصَ، ويَخْلُقُ لَهُم من الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَاً بِإِذْنِ اللهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُم من بُدٍّ في وَجْهِ هذهِ المُعْجِزَاتِ البَاهِرَةِ التي فَاقَتْ طَاقَاتِهُم وقُدُرَاتِهِم إلا أَنْ أَذْعَنُوا أَنَّهَا من عِنْدِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

ولَمَّا كَانَتِ العَرَبُ أَرْبَابَ فَصَاحَةٍ وبَلاغَةٍ، وفُرْسَانَ الخَطَابَةِ والبَيَانِ، جَعَلَ اللهُ مُعْجِزَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من جِنْسِ مَا تَفَوَّقُوا فِيهِ، وقَد تَحَدَّى اللهُ الإِنسَ والجِنَّ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّ مُعْجِزَةٍ لِكُلِّ نَبِيٍّ غَيْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَانَتْ عَيْنَاً ثمَّ صَارَتْ خَبَرَاً، إلا مُعْجِزَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَهِيَ عَيْنٌ بَاقِيَةٌ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَكْرَمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بالمُعْجِزَةِ الخَالِدَةِ البَاقِيَةِ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ مُعْجِزَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وإلى جَانِبِ ذلكَ أَكْرَمَهُ بِمُعْجِزَاتٍ أُخْرَى إلى جَانِبِ هذهِ المُعْجِزَةِ، من هذهِ المُعْجِزَاتِ مَا حَصَلَ لَهُ عِنْدَ هِجْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى المَدِينَةِ.

ذَكَرَ صَاحِبُ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ: وفي اليَوْمِ الثَّانِي أو الثَّالِثِ مَرَّ ـ أي: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ـ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ حَتَّى مَرَّ بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تُطْعِمُ وَتَسْقِي مَنْ مَرَّ بِهَا، فَسَأَلَاهَا: هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ؟

فَقَالَتْ: واللهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمْ، الْقِرَى وَالشَّاءُ عَازِبٌ، وَكَانَتْ سَنَةٌ شَهْبَاءَ.

فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟».

قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَن الْغَنَمِ.

فَقَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟».

قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ.

فَقَالَ: «أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟».

قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، إنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبَاً فَاحْلُبْهَا.

فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ وَدَعَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ، فَسَقَاهَا، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ شَرِبَ وَحَلَبَ فِيهِ ثَانِيَاً، حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا فَارْتَحَلُوا.

فَمَا لَبِثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزَاً عِجَافَاً يَتَسَاوَكُنَّ هُزَالَاً، فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ عَجِبَ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا، وَالشَّاةُ عَازِبٌ؟ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ؟

فَقَالَتْ: لَا واللهِ، إلا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ، كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَمِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: واللهِ إنِّي أَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الذِي تَطْلُبُهُ، صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.

فَوَصَفَتْهُ بِصِفَاتِهِ الكَرِيمَةِ وَصْفَاً بَدِيعَاً كَأَنَّ السَّامِعَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهُوَ أَمَامَهُ.

فَقَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: واللهِ هَذَا صَاحِبُ قُرَيْشٍ الذِي ذَكَرُوا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذَكَرُوا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبُهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إنْ وَجَدْتُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلاً.

وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيَاً يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ الْقَائِلَ:

جَزَى اللهُ رَبَّ الْعَرْشِ خَيْرَ جَزَائِهِ   ***   رَفِيقَـيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمَّ مَعْبَدِ

هُـمَـا نَـزَلَا بِـالْـبِرِّ وَارْتَـحَـلَا بِه   ***   وَأَفْلَـحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ

فَـيَـالَـقُـصَيٍّ مَا زَوَى اللهُ عَـنْـكُمْ   ***   بِهِ مِنْ فِـعَالٍ لَا يُجَازَى وَسُؤدَدِ

لِيَهْنَ بَنِي كَـعْـبٍ مَـكَـانَ فَـتَاتِهِمْ   ***   وَمَقْعَدُهَـا لِلْـمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ

سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَـاتِهَا وَإِنَـائِهَا   ***   فَإِنَّكُمُ إنْ تَسْـأَلُـوا الشَّاءَ تَشْهَدِ

قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: مَا دَرَيْنَا أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِن الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ فَأَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَالنَّاسَ يَتْبَعُونَهُ وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَاهَا.

قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَأَنَّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ.

وَصْفُ أُمِّ مَعْبَدٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أَدَقِّ وَصْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَصْفُ أُمِّ مَعْبَدٍ، عِنْدَمَا سَأَلَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ بِقَوْلِهِ: واللهِ إنِّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الذِي تَطْلُبُهُ، صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.

فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنها: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ ـ مُشْرِقُ الوَجْهِ مُضِيئُهُ ـ حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ ـ ضُخْمُ بَطْنٍ ـ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صُعْلَةٌ ـ صِغَرُ الرَّأْسِ ـ وَسِيمٌ قَسِيمٌ ـ من الحُسْنِ ـ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ـ شِدَّةُ سَوَادِ العَيْنِ في شِدَّةِ بَيَاضِهَا ـ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ ـ أي: في شَعْرِ أَجْفَانِهِ طُولٌ ـ وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ ـ لَيْسَ حَادَّ الصَّوْتِ ـ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ـ أي: اِرْتِفَاعٌ وطُولٌ ـ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ أَقْرَنُ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، إذَا صَمَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ عَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ ـ وَسَطٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ ولا كَثِيرٍ ـ كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ، لَا تُقْحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، وَلَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرَاً، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرَاً، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ ـ مَخْدُومٌ ـ مَحْشُودٌ ـ مَحْفُوفٌ ـ لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ ـ لا يُرَدُّ على كَلامِهِ لِحِكْمَتِهِ وكَمَالِ قُوَّتِهِ ـ.

فَقَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: واللهِ هَذَا صَاحِبُ قُرَيْشٍ الذِي ذَكَرُوا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذَكَرُوا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبُهُ وَلَأَفْعَلَنَّ إنْ وَجَدْتُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلَاً.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: رَحِمَ اللهُ تعالى مَن قَالَ:

وإذا العِنَايَةُ لَاحَظَتْكَ عُيُونُهَا   ***   نَمْ، فالمَخَاوِفُ  كُلُّهُنَّ أَمَانُ

لقد كَانَتْ هِجْرَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَلِيئَةً بالمُعْجِزَاتِ، مُنْذُ أَنْ خَرَجَ من بَيْنِ الذينَ اجْتَمَعُوا على بَابِهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، وهوَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدَّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدَّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾.

إلى أَنْ دَخَلَ الغَارَ، وحَمَاهُ اللهُ تعالى بِبَيْتِ العَنْكَبُوتِ والحَمَامَتَيْنِ، ورَحِمَ اللهُ تعالى مَن قَالَ:

ظَنُّوا الحَمَامَ وَظَنُّوا العَنْكَبُوتَ عَلَى   ***   خَـيْـرِ الـبَرِيَّـةِ لَمْ تَـنْـسِجْ وَلَمْ تَحُمِ

عِـنَـايَـةُ اللهِ أَغْـنَتْ عَن مُضَاعَفَةٍ    ***   من الدُّرُوعِ وعَن عَالٍ من الأُطُمِ

وفي الغَارِ قَالَ لِصَاحِبِهِ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾. وقَالَ لَهُ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رواه الشيخان.

إلى حَادِثَةِ سُرَاقَةَ الذي سَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فَوَقَعَ على الأَرْضِ.

إلى تَبْشِيرِ سُرَاقَةَ بِسِوَارَيْ كِسْرَى.

إلى خَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَن كَانَ مَعَ اللهِ تعالى كَانَ مُؤَيَّدَاً ومَحْفُوظَاً ومَنْصُورَاً، لأَنَّهُ لا يَعْلَمُ جُنُودَ اللهِ تعالى إلا هوَ.

اللَّهُمَّ زِدْ في إِيمَانِنَا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنَا إلا كَتَبْتَهُ لَنَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الاثنين: 19/رمضان /1435هـ، الموافق: 6/تموز/ 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2340 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2340
20-06-2019 1387 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1387
28-04-2019 1170 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1170
28-04-2019 1182 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1182
21-03-2019 1778 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1778
13-03-2019 1651 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1651

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413079948
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :