479ـ خطبة الجمعة: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْـحَوْضِ»

479ـ خطبة الجمعة: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْـحَوْضِ»

.

479ـ خطبة الجمعة: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْـحَوْضِ»

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: وَاجِبٌ على كُلِّ عَاقِلٍ من بَنِي البَشَرِ أَنْ يَتَعَرَّفَ على شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ العِبَادَ بالإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿فَآمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: الإِيمَانُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَطَلَّبُ من العِبادِ أَنْ يَعْرِفُوا فَضْلَهُ، وَرِفْعَةَ مُسْتَوَاهُ، وَمَا أَسْبَغَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ من الكَمَالاتِ، وَمَا أَبْدَعَ فِيهِ من المَحَاسِنِ، وَخَصَّهُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، حَتَّى أَعْلاهُ ذُرْوَةَ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَجَمَّلَهُ في أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَبْدَعِ تَقْوِيمٍ.

أَهْوَالُ عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَيْنَا كُلَّ الحِرْصِ، حَرِيصَاً على سَلامَةِ دِينِنَا، وَحَرِيصَاً على سَلامَةِ دُنْيَانَا، وَحَرِيصَاً على سَلامَةِ آخِرَتِنَا خَاصَّةً.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كُنَّا نَعِيشُ اليَوْمَ في أَزْمَةٍ قَاسِيَةٍ، مَزَّقَتْ قُلُوبَنَا، فَإِنَّ من وَرَائِنَا أَزْمَةً أَشَدُّ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، حَيْثُ يَذْهَلُ الإِنْسَانُ فِيهَا عَن الوَالِدِ والوَلَدِ، وَتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا.

روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكِ؟».

قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدَاً، عِنْدَ الْمِيزَانِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ؛ وَعِنْدَ الْكِتَابِ، حِينَ يُقَالُ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾. حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِهِ، أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ؛ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ».

«فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْـحَوْضِ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: اعْرِفُوا مَنْ هُوَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَرِّفُوا الخَلْقَ عَلَيْهِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا وَإِيَّاهُم بِصِدْقِ مَحَبَّةِ الرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ صَاحِبِ الخُلُقِ العَظِيمِ، الذي أَرْسَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للعَالَمِينَ.

اعْرِفُوا مَنْ هُوَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَيَّامِ الأَزَمَاتِ الحَقِيقِيَّةِ، وَخَاصَّةً في أَزْمَةِ أَرْضِ المَحْشَرِ، حَيْثُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» رواه الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

في هذا المَوْقِفِ العَظِيمِ الرَّهِيبِ تَظْهَرُ رَحْمَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَذِهِ الأُمَّةِ، حَيْثُ يَكُونُ شُغْلُهُ الشَّاغِلُ في أَرْضِ المَحْشَرِ أُمَّتَهُ، فَيَنْتَقِلُ من مَكَانٍ إلى مَكَانٍ لِيَشْفَعَ لِأُمَّتِهِ.

روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَقَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ».

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟

قَالَ: «اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ».

قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟

قَالَ: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ».

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟

قَالَ: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ؛ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ الْـمَوَاطِنَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا هُوَ حَبِيبُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ هِيَ رَحْمَتُهُ بِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَانَ رَحِيمَاً بِهِم في عَرَصَاتِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَكَيْفَ كَانَتْ رَحْمَتُهُ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا؟ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: السُّؤَالُ الذي يَجِبُ على كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَطْرَحَهُ على نَفْسِهِ: مَا هُوَ حَظِّي من سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي هُوَ أُسْوَتِي وَقُدْوَتِي؟

هَلْ أَنَا رَحِيمٌ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، أَمْ نُزِعَتِ الرَّحْمَةُ من قَلْبِي لا قَدَّرَ اللهُ تعالى؟

هَلْ أَنَا أُعْطي الصُّورَةَ الحَقِيقِيَّةَ عَن إيمَانِي بِهَذَا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَمْ شَوَّهْتُ بِسُلُوكِي وَأَخْلاقِي صُورَةَ الإِيمَانِ باللهِ تعالى، والإِيمَانَ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَنْفُرُونَ من دينِ اللهِ تعالى بِسَبَبِي أَنَا؟

اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 18/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 26/شباط/ 2016م

 2016-02-26
 1690
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

19-04-2024 38 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 38
12-04-2024 665 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 665
09-04-2024 561 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 561
04-04-2024 680 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 680
28-03-2024 572 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 572
21-03-2024 1001 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1001

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412875997
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :