44ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: الناس ثلاثة عند سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنهُ

44ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: الناس ثلاثة عند سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنهُ

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

44ـ الناس ثلاثة عند سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنهُ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من حُقُوقِ المُؤْمِنِينَ على بَعْضِهِمُ البَعْضِ التَّنَاصُحُ، فالمُؤْمِنُونَ فِيمَا بَيْنَهُم نَصَحَةٌ، والمُنَافِقُونَ فِيمَا بَيْنَهُم غَشَشَةٌ، وَيَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَن نَصَحَ أَخَاهُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَد شَانَهُ، وَمَن نَصَحَ أَخَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَد سَتَرَهُ وَزَانَهُ.

ولا أَحَدَ يَسْتَغْنِي عَن النَّصَيحَةِ أَبَدَاً، ولهذا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ».

قُلْنَا: لِمَنْ؟

قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لا عِصْمَةَ لِأَحَدٍ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَخَاصَّةً بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَحْنُ لَسْنَا مَلائِكَةً، وَلَسْنَا أَنْبِيَاءَ، نَحْنُ من جُمْلَةِ البَشَرِ الذينَ انْدَرَجُوا تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: المُحِبُّ نَاصِحٌ، والمُنَافِقُ غَشَّاشٌ، وَنَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ اليَوْمَ إلى نُصَّاحٍ لا إلى مُدَّاحٍ، وَلَقَد كَانَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ من النَّاصِحِينَ، لَقَد كَانَ من النَّاصِحِينَ للأُمَّةِ على جَمِيعِ مُسْتَوَيَاتِهَا، والذينَ من جُمْلَتِهِم طَلَبَةُ العِلْمِ والعُلَمَاءُ والفُقَهَاءُ.

النَّاسُ ثَلاثَةٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد قَسَّمَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ النَّاسَ إلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ لا رَابِعَ لَهَا، إِمَّا أَنْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا طَلَبَةَ عِلْمٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا من رُعَاعٍ هَمَجٍ، فَكَانُوا أَتْبَاعَاً لِكُلِّ نَاعِقٍ.

روى الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ عَن كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي إلى نَاحِيَةِ الجَبَّانِ (يَعنِي الصَّحْرَاءَ) فَلَمَّا أَصْحَرْنَا جَلَسَ، ثمَّ تَنَفَّسَ، ثمَّ قَالَ: يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ، القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا لِلعِلْمِ.

اِحْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ (رَأْسُ مَالِ طَالِبِ العِلْمِ هُوَ الحْفْظُ): النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ على سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رُعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيؤُوا بِنُورِ العِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إلى رُكْنٍ وَثِيقٍ. اهـ.

أيُّها الإخوة الكرام: تَقْسِيمُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ للنَّاسِ هُوَ غَايَةٌ في الصِّحَّةِ والسَّدَادِ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمَاً، أَوْ مُتَعَلِّمَاً، أَوْ من الهَمَجِ يَتَّبِعُ كُلَّ نَاعِقٍ، وَيَمِيلُ مَعَ الهَوَى حَيْثُ مَالَ، وَيَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ.

أولاً: العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ:

أيُّها الإخوة الكرام: القِسْمُ الأَوَّلُ من النَّاسِ الذينَ صَنَّفَهُم سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هُمُ العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ، الذينَ جَمَعُوا بَيْنَ الفِقْهِ والحِكْمَةِ.

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ أي: حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ حُلَمَاءَ؛ وَقَالَ الحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: فُقَهَاءَ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لا يَكُونُ العَالِمُ رَبَّانِيَّاً حَتَّى يَعْلَمَ وَيَعْمَلَ وَيَدْعُو وَيَصْبِرَ على الأَذَى.

وَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الذينَ يُرَبُّونَ النَّاسَ على صِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ؛ يَعْنِي: يَأْخُذُونَ النَّاسَ بالتَّدَرُّجِ خُطْوَةً خُطْوَةً، لا يَقْفِزُونَ بِهِم إلى أُمُورٍ كِبَارٍ لا تُدْرِكُهَا عُقُولُهُم، والعُلَمَاءُ هُمُ الذينَ يَعْمَلُونَ بِعِلْمِهِم.

أيُّها الإخوة الكرام: العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الوَرَثَةُ الحَقِيقِيُّونَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ وَرِثُوا العِلْمَ والعَمَلَ والحِكْمَةِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يَرِثُوا دِينَارَاً وَلَا دِرْهَمَاً، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه الإمام أحمد عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الذينَ وَرِثُوا العِلْمَ والعَمَلَ والأَقْوَالَ والأَعْمَالَ والأَحْوَالَ عَن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادَاً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾.

العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الذينَ وَرِثُوا الكِتَابَ، فَكَانُوا من السَّابِقِينَ بالخَيْرَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾. هُمُ الذينَ أَقْبَلُوا على كِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ تِلاوَةً، وَقرَاءَةً، وَتَدَبُّرَاً، وَعَمَلاً، وَدَعْوَةً، وَصَبْرَاً على الأَذَى ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الذينَ أَقْبَلُوا على سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حِفْظَاً، وَفَهْمَاً، وَتَدَبُّرَاً، وَعَمَلاً، وَدَعْوَةً، وَصَبْرَاً على الأَذَى في سَبِيلِ ذَلِكَ.

العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الذينَ أَفْنَوْا أَعْمَارَهُم في التَّعَلُّمِ والتَّعْلِيمِ والتَّطْبِيقِ على أَنْفُسِهِم، وَكَانُوا كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدَاً وَقَائِمَاً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؟.

العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الذينَ يَقُودُونَ الأُمَّةَ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَهُمُ الذينَ يُخَاطِبُونَ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، هُمُ الذينَ يُعْطُونَ الصُّورَةَ الحَقِيقِيَّةَ عَن نَبِيِّهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ المُرْسَلِينَ، وَسَيِّدُ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، هُمُ الذينَ يُحَبِّبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ إلى النَّاسِ، وَيُحَبِّبُونَهُم للهِ تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هُمُ الذينَ يُعْرَفُونَ بِلَيْلِهِم إِذَا رَقَدَ النَّاسُ، وَبِنَهَارِهِم إِذَا أَفْطَرَ النَّاسُ، وَبِبُكَائِهِم وَحَسْرَتِهِم إِذَا ضَحِكَ النَّاسُ.

ثانياً: طُلَّابُ العِلْمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: القِسْمُ الثَّانِي من النَّاسِ الذينَ صَنَّفَهُم سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هُم طَلَّابُ العِلْمِ، الذينَ أَخْلَصُوا نِيَّاتِهِم للهِ عزَّ وجلَّ في طَلَبِ العِلْمِ، لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلى نَجَاتِهِم من عَذَابِ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ.

وهذا لا يَخْتَصُّ بالطُّلَّابِ في المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ والكُلِّيَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ يَشْمَلُ كُلَّ مَن أَهَمَّهُ أَمْرُ نَجَاتِهِ في الآخِرَةِ، فَأَقْبَلَ سَائِلاً عَن دِينِهِ مُلْتَزِمَاً قَوْلَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

يَشْمَلُ كُلَّ مَن اسْتَفْتَى عَن أُمُورِ دِينِهِ، لِيَكُونَ على بَصِيرَةٍ من أَمْرِهِ؛ يَشْمَلُ كُلَّ مَن الْتَمَسَ مَجَالِسَ العِلْمِ والعُلَمَاءِ، مَعَ إِخْلاصِ النِّيَّةِ للهِ تعالى، لا من أَجْلِ أَنْ يَنَالَ عَرَضَاً من أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمَاً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضَاً مِن الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (يَعْنِي رِيحَهَا)» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: طُلَّابُ العِلْمِ يَجِبُ عَلَيْهِم أَنْ يَطْلُبُوهُ من أَجْلِ النَّجَاةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وهذا لا يَكُونُ إلا إِذَا حَقَّقَ الأُمُورَ التَّالِيَةَ:

1ـ أَنْ يَتَعَلَّمَ العِلْمَ النَّافِعَ، والعِلْمُ النَّافِعُ لا يَكُونُ إلا وِفْقَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ.

ورَحِمَ اللهُ تعالى الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ حَيْثُ قَالَ:

كُلُّ العُلُومِ سِوَى القُرْآنِ مَشْغَلَةٌ   ***   إلا الحَدِيثَ وإلا الفِقْهَ في الدِّينِ

الـعِـلْـمُ مَـا كَانَ فِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا   ***   وَمَـا سِـوَاهُ فَوَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ

2ـ أَنْ يُخْلِصَ للهِ تعالى في طَلَبِ العِلْمِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» رواه الإمام البخاري عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

3ـ أَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ، وإلا كَانَ قَائِدَاً لَهُ إلى النَّارِ، وَيَقُولُ بَعْضُ العُلَمَاءِ: يَهْتِفُ العِلْمُ بالعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ حَلَّ، وإلا ارْتَحَلَ؛ وَيَقُولُ آخَرُ: كُنَّا نَسْتَعِينُ على حِفْظِ العِلْمِ بالعَمَلِ بِهِ.

ثالثاً: الهَمَجُ الرُّعَاعُ:

أيُّها الإخوة الكرام: القِسْمُ الثَّالِثُ من النَّاسِ الذينَ صَنَّفَهُم سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هُمُ الهَمَجُ الرُّعَاعُ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، هُمُ الحَمْقَى الجُهَّالُ، الذينَ لا يُعْتَدُّ بِهِم، هُم أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدَّاعِي إلى الهُدَى أَو الدَّاعِي إلى الضَّلالِ، هُمُ الذينَ لا يُجَالِسُونَ العُلَمَاءَ، ولا طُلَّابَ العِلْمِ، هُم سَبَبٌ لِكُلِّ فْتِنَةٍ، هُم سَبَبٌ لِدَمَارِ العِبَادِ والبِلادِ، هُمُ الذينَ يَعِيثُونَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، هُمُ الذينَ يَمِيلُونَ مَعَ الهَوَى حَيْثُ مَالَ، هُمُ الذينَ يَخُوضُونَ مَعَ الخَائِضِينَ، هُمُ الذينَ تَلْعَبُ بِهِم رِيَاحُ الشَّرْقِ والغَرْبِ، وهُمُ الذينَ لَم يَسْتَضِيؤُوا بِنُورِ العِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إلى رُكْنٍ وَثِيقٍ، هُم كالإِمَّعَةِ، وَانْطَبَقَ عَلَيْهِم قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤُوا فَلَا تَظْلِمُوا» رواه الترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ من أَعْمَارِنَا بِطَلَبِ العِلْمِ، وبالعَمَلِ بِمَا عَلِمْنَا، مَعَ الإِخْلاصِ للهِ تعالى في ذَلِكَ كُلِّهِ، لِنَعُدْ إلى اللهِ تعالى مُصْطَلِحِينَ، لِنَعُدْ إلى اللهِ تعالى تَائِبِينَ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُخْرِجَنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ من الهَمِّ والكَرْبِ والبَلاءِ العَظِيمِ.

لِأَنَّهُ وَاللهِ لَوْ كُنَّا من العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ لَمَا حَلَّ بِنَا مَا حَلَّ، وَلَوْ كُنَّا من طُلَّابِ العِلْمِ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَا حَلَّ بِنَا مَا حَلَّ، وَلَكِنَّ الكَثِيرَ من النَّاسِ كَانُوا من الصِّنْفِ الثَّالِثِ من الهَمَجِ الرُّعَاعِ، أَتْبَاعِ كُلِّ نَاعِقٍ.

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَدَارَكْ أَنْفُسَنَا قَبْلَ نِهَايَةِ الأَجَلِ، وَلْنَسْمَعْ إلى هذا الحِوَارِ الذي دَارَ بَيْنَ سَيِّدِنَا الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَرَجُلٍ آخَرَ: عِندَما سَألَ رَجُلاً عَن عُمُرِهِ، فَقَالَ: سِتُّونَ سَنَةٍ.

قَالَ: إِذَاً أنتَ مُنذُ سِتِّينَ سَنَةٍ تَسِيرُ إلى اللهِ تعالى، تُوشِكُ أَنْ تَصِلَ.

فَقَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

قَالَ: يَا هذا، أَتَعْرِفُ مَا مَعْنَاهَا؟

قَالَ: نَعَم، أَعْلَمُ أَنِّي للهِ عَبْدٌ، وَأَنِّي إِلَيْهِ رَاجِعٌ.

قَالَ الفُضَيْلُ: مَن عَلِمَ أَنَّهُ للهِ عَبْدٌ، وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَن عَلِمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ، وَمَن عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ فَلْيُعِدَّ للسُّؤَالِ جَوَابَاً.

فَبَكَى الرَّجُلُ وَقَالَ: مَا الحِيلَةُ؟

قَالَ الفُضَيْلُ: يَسِيرَةٌ.

قَالَ الرَّجُلُ: مَا هِيَ يَرحَمُكَ اللهُ؟

قَالَ الفُضَيْلُ: أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِيمَا بَقِيَ، يَغفِرُ اللهُ لكَ مَا قَد مَضَى.

اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بالعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَاجْعَلْنَا مَعَهُم في كُلِّ العَوَالِمِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 21/ صفر الخير /1437هـ، الموافق: 3/كانون الأول/ 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1395 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1395
13-02-2020 1956 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1956
23-01-2020 2589 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2589
16-01-2020 990 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 990
09-01-2020 1327 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1327
03-01-2020 1023 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1023

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412966874
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :