244ـ مع الحبيب المصطفى : القدوة الصالحة

244ـ مع الحبيب المصطفى : القدوة الصالحة

.

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

244ـ القدوة الصالحة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: النَّاسُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى قُدْوَةٍ صَالِحَةٍ، إلى شَخْصِيَّاتٍ عَظِيمَةٍ تُجَسِّدُ لَهُم شَخْصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، وَهُم لَيْسُوا بِحَاجَةٍ إلى مَن يُنَظِّرُ لَهُم تَنْظِيرَاً بَارِدَاً بَاهِتَاً، لا عَلاقَةَ لَهُ بِالصِّدْقِ وَالوَاقِعِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا بَعَثَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في قُرَيْشٍ، في مُجْتَمَعٍ وَثَنِيٍّ، في مُجْتَمَعٍ مُتَمَزِّقٍ مُتَفَرِّقٍ، لِيَدعُوَهَم إلى اللهِ تعالى، وَإلى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ؛ سَمِعَتْ قُرَيْشٌ كَلَامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشَاهَدُوا سُلُوكَهُ وَعَمَلَهُ، فإِذَا بِهِ كَمَا قَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواه الإمام أحمد.

لَقَد شَاهَدُوا المَنْهَجَ العَمَلِيَّ بَعْدَ القَوْلِيِّ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ قُلُوبُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، لِأَنَّ القُلُوبَ تَتَعَلَّقُ بِالجَمَالِ وَالكَمَالِ، وَهُوَ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ في الإِنْسَانِ، تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُم بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا شَاهَدُوا فِيهِ من جَمَالِ الخَلْقِ وَالخُلُقِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الحَقِيقَةُ مُرَّةٌ، وَلَكِنَّ العُقَلَاءَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، لِأَنَّ فِيهَا الصَّلَاحَ وَالإِصْلَاحَ؛ نَحْنُ اليَوْمَ مُشْكِلَتُنَا الكَبِيرَةُ أَنَّ أَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا فَقَدُوا القُدْوَةَ في جَمِيعِ مَيَادِينِ الحَيَاةِ، يَسْمَعُونَ كَلَامَاً مُنَمَّقَاً، ولا يَجِدُونَ القُدْوَةَ الحَسَنَةَ، لَقَد افْتَقَدَتْ مُجْتَمَعَاتُنَا على كُلِّ المُسْتَوَيَاتِ القُدْوَةَ العَمَلِيَّةَ؛ لَقَد فَقَدْنَا القُدْوَةَ الحَسَنَةَ من الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، وَفَقَدْنَاهَا من الرُّعَاةِ على كُلِّ المُسْتَوَيَاتِ، مَعَ أَنَّنَا نَسْمَعُ مَنْ يُصَدِّرُ وَينَظِّرُ لَنَا كَلَامَاً، وَلَكِنَّ الكَلَامَ في وَادٍ، والسُّلُوكَ والعَمَلَ في وَادٍ آخَرَ.

تَعَامُلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ الصِّبْيَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعِيشَ إِسْلامَنَا سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، وَأَنْ نَنْظُرَ في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَنْقُلَهَا لِمَنْ بَعْدَنَا سُلُوكَاً وَعَمَلَاً، من سِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَتُهُ بِالصِّبْيَانِ، وَكَيْفِيَّةُ تَعَامُلِهِ مَعَهُم.

روى البَزَّارُ عَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، فَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَجِيءُ وَهُوَ صَغِيرٌ، كُلَّمَا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ على رَقَبَتِهِ وَظَهْرِهِ، فَيَرْفَعُ النَّبِيُّ رَأْسَهُ رَفْعَاً رَفِيقَاً حَتَّى يَضَعَهُ.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتَصْنَعُ بِهَذَا الصَّبِيِّ شَيْئَاً مَا رَأَيْنَاكَ تَصْنَعُهُ.

قَالَ: «إِنَّهُ رَيْحَانَتِي من الدُّنْيَا، إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، عَسَى أَنْ يُصْلِحَ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ من المُسْلِمِينَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا المَشْهَدُ يَقِينَاً كَانَ في المَسْجِدِ ـ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ ـ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم قَالُوا:  إِنَّكَ لَتَصْنَعُ بِهَذَا الصَّبِيِّ شَيْئَاً مَا رَأَيْنَاكَ تَصْنَعُهُ.

نَحْنُ اليَوْمَ على العَكْسِ تَمَامَاً من هَذَا الخُلُقِ، إِذَا رَأَيْنَا طِفْلاً يَجْرِي في المَسْجِدِ أَو يَلْعَبُ أَو يَبْكِي نَنْهَرُهُ وَنَطْرُدُهُ، وَرُبَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَئِمَّةُ المَسَاجِدِ وَطَلَبَةُ العِلْمِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَطْفَالُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَصِبْيَانُنَا اليَوْمَ يَحْتَاجُونَ إلى فَتْحِ قُلُوبِنَا لَهُم، ثمَّ فَتْحِ مَسَاجِدِنَا لِنُعَلِّمَهُم في بُيُوتِ اللهِ تعالى دِينَ اللهِ تعالى، وَآدَابَ الإِسْلامِ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّمُوا في المَسْجِدِ، فَأَيْنَ يَتَعَلَّمُونَ؟

روى الإمام الحاكم عَن ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقَ اللهُ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. رَأَيْتُ وَلَدَيَّ هَذَيْنِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى نَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا». ثمَّ أَخَذَ في خُطْبَتِهِ.

اسْتِقْبَالُ الوِلْدَانِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُرَبِّي الأَوَّلِ للأَجْيَالِ، كَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ الوِلْدَانِ الذِينَ سَيَكُونُوا رِجَالاً في المُسْتَقْبَلِ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى (هِيَ الظُّهْرُ) ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدَاً وَاحِدَاً.

قَالَ: وَأَمَّا أَنَا، فَمَسَحَ خَدِّي؛ فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدَاً أَوْ رِيحَاً (كَانَتْ هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ صِفَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ (أَيْ: السَّلَّةُ التي فِيهَا مَتَاعُ العَطَّارِ).

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا المَوْقِفُ يَدُلُّ على رِفْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَبْنَاءِ المُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ جَلْبَاً لِقُلُوبِهِم وَتَحَبُّبَاً إِلَيْهِم؛ فَأَيْنَ نَحْنُ من هَذَا الخُلُقِ؟ هَلْ يَفْعَلُ أَحَدُنَا هَذَا الفِعْلَ مَعَ أَوْلادِهِ، لا مَعَ أَوْلادِ المُسْلِمِينَ؟ مَوَاقِفُ لا تُنْسَى عِنْدَ الصِّغَارِ إِذَا فَعَلَهَا الكِبَارُ وَأَهْلُ الصَّلاحِ، فَلْنُحْيِي سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِينَا.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمَ خَلْقِ اللهِ تعالى بِالعِيَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد ضَرَبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْوَعَ مِثَالٍ في رَحْمَتِهِ بِالأَهْلِ وَالعِيَالِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعَاً لَهُ فِي عَوَالِي الْـمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ، وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ، وَكَانَ ظِئْرُهُ (الظِّئْرُ: المُرْضِعَةُ لِغَيْرِ وَلَدِهَا؛ وَيُطْلَقُ على زَوْجِهَا) قَيْنَاً (الحَدَّادُ وَالصَّائِغُ) فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ.

قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ (أَي: في سِنِّ الرَّضَاعِ) وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ تُكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ».

وروى ابن ماجه عَن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ الْقَاسِمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَرَّتْ لُبَيْنَةُ الْقَاسِمِ، فَلَوْ كَانَ اللهُ أَبْقَاهُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِضَاعَهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِتْمَامَ رَضَاعِهِ فِي الْجَنَّةِ».

قَالَتْ: لَوْ أَعْلَمُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، لَهَوَّنَ عَلَيَّ أَمْرَهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ تَعَالَى فَأَسْمَعَكِ صَوْتَهُ».

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ أُصَدِّقُ اللهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وروى البيهقي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِبَاكُورَةِ الفَاكِهَةِ وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَعَلَى شَفَتَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ كَمَا أَرَيْتَنَا أَوَّلَهُ فَأَرِنَا آخِرَهُ». ثمَّ يُعْطِيهَا مَن يَكُونُ عِنْدَهُ مِن الصِّبْيَانِ.

وَهَذَا من كَمَالِ لُطْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ تَعَامُلِهِ مَعَ رِجَالِ المُسْتَقْبَلِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من أَهَمِّ الأَسْبَابِ المُؤَثِّرَةِ والنَّاجِحَةِ في التَّرْبِيَةِ القُدْوَةُ الصَّالِحَةُ الطَّيِّبَةُ، مِنْهَا يَتَشَرَّبُ الأَبْنَاءُ السُّلُوكَ والعَادَاتِ، وَالمَشَاعِرَ وَالأَفْكَارَ؛ وَلَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ الكَامِلَةَ لِمَنْهَجِ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ العَظِيمِ في التَّرْبِيَةِ، وَتَمَثَّلَتْ فِيهِ كُلُّ تَعَالِيمِ القُرْآنِ العَظِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَوَّلُ مَا يَتَلَقَّاهُ الأَبْنَاءُ من القِيَمِ والسُّلُوكِ والعَادَاتِ والمَشَاعِرِ من الأُسْرَةِ، فَمِنْهَا يَتَعَلَّمُ الأَخْلاقَ، من صِدْقٍ أَو كَذِبٍ، وَفَضِيلَةٍ أَو رَذِيلَةٍ، وَأَمَانَةٍ أَو خِيَانَةٍ، وَرَحْمَةٍ أَو قَسْوَةٍ.

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمَاً وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ.

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟».

قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرَاً.

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئَاً كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَعْظَمُ وَسِيلَةٍ لِنَشْرِ هَذَا الدِّينِ في كُلِّ مَكَانٍ هِيَ القُدْوَةُ الصَّالِحَةُ، وَمَن تَتَبَّعَ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَجِدُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُلازِمُ الخُلُقَ الحَسَنَ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَخَاصَّةً في دَعْوَتِهِ إلى اللهِ تعالى، للرِّجَالِ والنِّسَاءِ والشَّبَابِ والأَطْفَالِ، لِذَا أَقْبَلَ النَّاسُ على دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَدَخَلُوا فِيهِ أَفْوَاجَاً بِفَضْلِ اللهِ تعالى، ثمَّ بِفَضْلِ حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلْنَبْدَأْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالقُدْوَةِ الصَّالِحَةِ في بُيُوتِنَا أَوَّلَاً، ثمَّ المُجْتَمَعِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 19/ جمادى الآخرة /1437هـ، الموافق: 28/ آذار / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2341 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2341
20-06-2019 1387 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1387
28-04-2019 1171 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1171
28-04-2019 1183 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1183
21-03-2019 1785 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1785
13-03-2019 1658 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1658

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413303772
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :