499ـ خطبة الجمعة: سلام الله عليك يا شهر الصيام والقيام

499ـ خطبة الجمعة: سلام الله عليك يا شهر الصيام والقيام

.

499ـ خطبة الجمعة: سلام الله عليك يا شهر الصيام والقيام

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ قَدِ انطَوَى وَرُفِعَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَعْمَالِ العِبَادِ ، فَسَلَامُ اللهِ تعالى عَلَيْكَ يَا شَهْرَ القُرْآنِ، يَا شَهرَ الصَّبْرِ وَالمُوَاسَاةِ، لَقَدْ مَرَرْتَ بِنَا وَاللهِ كَلَمْحَةِ بَرْقٍ، أَو غَمْضَةِ عَيْنٍ، لَقَدْ كُنْتَ مِضْمَارَاً لِتَنَافُسِ المُتَنَافِسِينَ فِيكَ، لَقَدْ كُنْتَ مَيْدَانَاً تَسَابَقَ فِيكَ المُتَسَابِقُونَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ اللهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سَلَامُ اللهِ تعالى عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الدُّعَاءِ، فَكَمْ مِنْ أَكُفٍّ رُفِعَتْ إلى اللهِ تعالى ضَارِعَةً، وَكَمْ مِنْ دُمُوعٍ سَاخِنَةٍ ذُرِفَتْ، وَعَبَرَاتٍ حَرَّى سُكِبَتْ، حُبَّاً للهِ تعالى، وَشَوْقَاً إِلَيْهِ؟

سَلَامُ اللهِ تعالى عَلَيْكَ يَا شَهْرَ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ وَالعِتْقِ مِنَ النَّارِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الشَّهْرُ العَظِيمُ، مَرَرْتَ بِنَا كَطَيْفِ خَيَالٍ، مَرَرْتَ بِنَا بِخَيْرَاتِكَ الحِسِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ، سَلَامُ اللهِ تعالى عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الشَّاهِدُ لِمَنْ شَمَّرَ فِيكَ بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَالجِدِّ وَالنَّشَاطِ، وَالشَّاهِدُ على المُقَصِّرِ الغَافِلِ المُعْرِضِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

تَلَمَّسُوا أَثَرَ الصِّيَامِ فِيكُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: تَلَمَّسُوا أَثَرَ الصِّيَامِ فِيكُمْ، هَلْ مُلِئَتِ القُلُوبُ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ هَلْ تَحَسَّنَتْ أَخْلَاقُنَا؟ هَلِ اسْتَقَامَ سُلُوكُنَا؟ هَلِ اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُنَا؟ هَلْ تَوَحَّدَتْ صُفُوفُنَا؟ هَلِ اسْتَيْقَظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا؟ هَلْ زَالَتِ الضَّغَائِنُ وَالأَحْقَادُ مِنْ نُفُوسِنَا؟ هَلْ تَلَاشَتِ المُنْكَرَاتُ مِنْ بُيُوتِنَا وَشَوَارِعِنَا وَأَسْوَاقِنَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا مِنْ طَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ تعالى إلا وَتَتْرُكُ أَثَرَاً في حَيَاةِ العَبْدِ الطَّائِعِ، فَهَلْ تَرَكَ الصِّيَامُ فِينَا أَثَرَهُ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؟

تَلَمَّسُوا أَثَرَ التَّقْوَى في جَارِحَةِ السَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالفُؤَادِ، هَلْ صَارَ سَمْعُنَا سَمْعَ الأَتْقِيَاءِ، وَبَصَرُنَا بَصَرَ الأَتْقِيَاءِ، وَفُؤَادُنَا فُؤَادَ الأَتْقِيَاءِ؟ هَلْ صَارَتْ جَوَارِحُنَا مُنْضَبِطَةً بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ؟

هَلْ إذَا وَرَدْنَا نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ تُنَادِي عَلَيْنَا النَّارُ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي؟ رواه الطَّبَرَانِيُّ.

وَهَلْ يَتَحَقَّقُ فِينَا قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾. أَمْ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى يَنْدَرِجُ العَبْدُ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيَّاً﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنِ اسْتَجَبْتُمْ لِرَبِّكُمُ القَائِلُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. اسْتَجِيبُوا للهِ تعالى في سَائِرِ أَحْوَالِكُمْ وَأَيَّامِكُمْ ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ﴾. وَلْتَخْشَعْ قُلُوبُكُمْ لِذِكْرِ اللهِ تعالى وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ، وَاسْلُكُوا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ.

يَا عِبَادَ اللهِ: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ أَيَّامَ عُمُرِكُمْ، وَلَا تَرْجِعُوا إلى الذُّنُوبِ وَالعِصْيَانِ، يَقُولُ كَعْبُ  بنُ  مَالِكٍ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَعْصِ اللهَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا حِسَابٍ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ عَصَى رَبَّهُ فَصِيَامُهُ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ.

يَا رَبُّ ارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ، وَوَفِّقنَا لِأَنْ نَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَأَنْ نَذْكُرَ المَوْتَ وَالبِلَى. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 3/ شوال /1437هـ، الموافق: 8/تموز / 2016م

 2016-07-08
 2626
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 220 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 220
09-04-2024 480 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 480
04-04-2024 647 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 647
28-03-2024 533 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 533
21-03-2024 939 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 939
14-03-2024 1607 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1607

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412422976
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :