543ـ خطبة الجمعة: يا من يستعد لليلة النصف من شعبان

543ـ خطبة الجمعة: يا من يستعد لليلة النصف من شعبان

 

543ـ خطبة الجمعة: يا من يستعد لليلة النصف من شعبان

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الذي تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى رَبِّ العَالَمِينَ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ كُلَّهُ أَحْيَانَاً، وَيَصُومُ جُلَّهُ أَحْيَانَاً، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ إلى اللهِ تعالى وَهُوَ صَائِمٌ، يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ إلى اللهِ تعالى الذي يَنْظُرُ إلى قُلُوبِ عِبَادِهِ، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ أَو يُكْثِرُ فِيهِ الصِّيَامَ مَعَ طَهَارَةِ قَلْبِهِ وَسَلَامَتِهِ نَحْوَ الخَلْقِ جَمِيعَاً، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ؛ يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا مَنْ يَسْتَعِدُّ لِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: المُسْلِمُونَ يَسْتَعِدُّونَ لِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، حَتَّى يَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِرَحْمَتِهِ، لِعَفْوِهِ، لِغُفْرَانِهِ، لِرِضْوَانِهِ، لِمَحَبَّتِهِ.

فَيَا مَن يَسْتَعِدُّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ العَظِيمَةِ، لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، يَا مَنْ يَسْتَعِدُّ لِرَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَقُولُ لَكَ:

رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُونَا لِسَلَامَةِ صُدُورِنَا، وَسَلَامَةِ قُلُوبِنَا نَحْوَ بَعْضِنَا بَعْضَاً، يَدْعُونَا لِبَرَاءَةِ القُلُوبِ مِنَ الغِلِّ وَالحِقْدِ عَلَى المُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ عَنِ الذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

بَلْ وَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾. تَدَبَّرُوا قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾. فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الأَجْرَ، مِنْ مَلِكِ المُلُوكِ وَمَالِكِ المُلُوكِ؟ فَلَا نَحْرِم أَنْفُسَنَا مِنْ هَذَا الأَجْرِ العَظِيمِ الذي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُونَا للتَّسَامُحِ وَالصَّفْحِ، وَلِسَلَامَةِ القُلُوبِ، فَيَقُولُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾. وَيَقُولُ: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

لِمَاذَا لَا يَعْفُوا بَعضُنَا عَنْ بَعْضٍ؟ لِمَاذَا لَا يُسَامِحُ بَعْضُنَا بَعْضَاً، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾؟

لِمَاذَا لَا تَكُونُ قُلُوبُنَا سَلِيمَةً عَلَى بَعْضِنَا، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾؟

يَا مَنْ يُقَلِّدُ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَقُولُ لِنَفْسِي وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فِينَا عِنْدَمَا نُقَلِّدُ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: بَلَى، إِذَا سَمِعْنَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ﴾.

لِمَاذَا نُقَلِّدُ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالقَوْلِ دُونَ العُمَلِ؟

لَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بلَى، عِنْدَمَا سَمِعَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ﴾. ثُمَّ أَتْبَعَ القَوْلَ بِالعَمَلِ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ العَمَلِ بَعْدَ القَوْلِ؟

قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَلَى، وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِالعَمَلِ حِينَ صَفَحَ عَنْ مِسَطَحٍ وَعَنْ أَمْثَالِهِ الذينَ أَسَاءُوا إِلَيْهِ في حَقِّ أُمِّنَا السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَا يَنْظُرُ اللهُ تعالى فِيهَا إلى مُشَاحِنٍ، فَهَلْ نَتَسَامَحُ وَيصفح بَعضُنَا عَن بَعْضٍ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْحَمَنَا؟

هَلْ يَعْجِزُ الوَاحِدُ مِنَّا أَن يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ، الذي أَخْبَرَنَا عَنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

روى ابْنُ السُّنِّيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ؟».

قَالُوا: مَنْ أَبُو ضَمْضَمٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي وَعِرْضِي لَكَ، فَلَا يَشْتُمُ مَنْ شَتَمَهُ، وَلَا يَظْلِمُ مَنْ ظَلَمَهُ، وَلَا يَضْرِبُ مَنْ ضَرَبَهُ».

مَا أَحْوَجَنَا إلى سَلَامَةِ الصَّدْرِ؟ مَا أَحْوَجَنَا إلى رَاحَةِ القَلْبُ؟ مَا أَحْوَجَنَا للتَّخَلُّصِ مِنْ مُعَادَاةِ الخَلْقِ؟ مَا أَحْوَجَنَا لِجَمْعِ شَمْلِنَا؟

يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، لَقَدْ ذَهَبَ رِيحُنَا، ذَهَبَتْ قُوَّتُنَا، ضَيَّعْنَا شَبَابَنَا وَشَابَّاتِنَا، ضَيَّعْنَا أَموَالَنَا، ضَيَّعْنَا عِزَّنَا، بِسَبَبِ العَدَاوَاتِ فِيمَا بَيْنَنَا، لَقَدْ سَخِرَ مِنَّا القَاصِي وَالدَّانِي، وَاسْتَخَفَّ بِعُقُولِنَا شَرْقٌ وَغَرْبٌ، فَهَلْ مِنْ صَحْوَةٍ نَرْجِعُ بِهَا إلى اللهِ تعالى مُتَصَافِحِينَ مُتَسَامِحِينَ مُتَآلِفِينَ مُتَحَابِبِينَ؟

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ، وَأَمِتْنَا عَلَى ذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 8/ شعبان /1438هـ، الموافق: 5/ أيار / 2017م

 2017-05-05
 2042
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

21-03-2024 609 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 609
14-03-2024 945 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 945
08-03-2024 860 مشاهدة
903ـ خطبة الجمعة: استقبل شهر رمضان بالأمور الآتية

هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصَّوْمِ، وَأَنْعِمْ بِالصَّوْمِ عِبَادَةً، بِهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتُ، وَتَكْفِيرُ الخَطِيئَاتِ، وَكَسْرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَكْثِيرُ الصَّدَقَاتِ، وَوَفْرَةِ الطَّاعَاتِ، وَشُكْرُ عَالِمِ الخَفِيَّاتِ، وَالانْزِجَارُ ... المزيد

 08-03-2024
 
 860
09-02-2024 2554 مشاهدة
902ـ خطبة الجمعة: حاله صلى الله عليه وسلم في شعبان

إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَتَقَلَّبُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَمُدُّ اللهُ تعالى لَهُ في أَجَلِهِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَبْقَاهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ غَنِيمَةٌ لَهُ لِيَتَزَوَّدَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ، وَيَحْرُثَ فِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، ... المزيد

 09-02-2024
 
 2554
02-02-2024 2251 مشاهدة
901ـ خطبة الجمعة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾

لِنَكنْ جَمِيعًا عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا سَنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أَلَا وَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الجَنَّةِ، وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّ ... المزيد

 02-02-2024
 
 2251
25-01-2024 1485 مشاهدة
900ـ خطبة الجمعة: صورة من صور الحياء (2)

مَنْ فَقَدَ الحَيَاءَ فَقَدَ كُلَّ شَيْءٍ، وَصَارَ مُجَرَّدًا مِنْ كُلِّ خُلُقٍ نَبِيلٍ فَاضِلٍ، فَاقِدُ الحَيَاءِ مَمْقُوتٌ خَائِنٌ لَا رَحْمَةَ عِنْدَهُ، بَلْ في غَالِبِ الأَمْرِ الأَعَمِّ تَجِدُهُ مَلْعُونًا عَلَى أَلْسِنَةِ بَعْضِ الخَلْقِ، ... المزيد

 25-01-2024
 
 1485

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3153
المكتبة الصوتية 4762
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 411965096
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :