دروس رمضانية 1438هـ
7ـ ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَقْرَأُ كَلَامَ اللهِ تعالى وَنَسْمَعُهُ، وَكَأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِينَا، وَلَا يُغَيِّرُ مِنْ مَوَاقِفِنَا وَأَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا؛ نَقْرَأُ كَلَامَ اللهِ تعالى وَنَسْمَعُهُ، وَلَا يُؤَثِّرُ في سُلُوكِنَا وَأَخْلَاقِنَا، وَنَحْنُ على مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، على عَكْسِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ كَانُوا يَتَأَثَّرُونَ بِهِ وَيَنْفَعِلُونَ لَهُ أَشَدَّ الانْفِعَالِ، حَتَّى صَارُوا مَضْرِبَ مَثَلٍ للمُجْتَمَعِ المِثَالِيِّ، مُجْتَمَعِ العِزَّةِ، مُجْتَمَعِ الخُضُوعِ للهِ تعالى، لَا للأَهْوَاءِ وَالعَصَبِيَّاتِ، مُجْتَمَعِ المَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ، مُجْتَمَعِ الوُضُوحِ وَالصِّدْقِ في التَّعَامُلِ.
نَقْرَأُ القُرْآنَ العَظِيمَ وَلَا نَتَأَثَّرُ بِهِ، وَتَمُرُّ عَلَيْنَا الآيَاتُ آيَاتُ الإِنْذَارِ، وَآيَاتُ التَّرْغِيبِ وَلَا تُحَرِّكُ فِينَا شَيْئَاً، وَكَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ إِذَا قَرَأَهَا أَو سَمِعَهَا تَأَثَّرَ لَهَا التَّأَثُّرَ الكَبِيرَ.
﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: آيَةٌ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَو تَدَبَّرْنَاهَا لَصَلَحَ حَالُنَا، وَزَالَ البَأْسُ مِنْ بَيْنِنَا، آيَةٌ في كِتَابِ اللهِ شَدِيدَةٌ وَعَظِيمَةٌ على المُتَّقِينَ، أَلَا وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.
إِنَّ أَحَدَنَا قَدْ يَعْمَلُ ذَنْبَاً ثُمَّ يَحْتَقِرُهُ وَيَسْتَهِينُ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَاً في هَلَاكِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾.
أَيْنَ نَحْنُ مِنْ سَلَفِنَا الصَّالِحِ؟ روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالَاً، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ (يَعْنِي بِذَلِكَ المُهْلِكَاتِ). هَذَا كَلَامُ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِأَقْوَامٍ مِنَ التَّابِعِينَ، فَكَيْفَ لَو رَأَى حَالَنَا اليَوْمَ؟
كَيْفَ لَوْ رَأَى سَفْكَ الدِّمَاءِ، وَسَلْبَ الأَمْوَالِ، وَبَثَّ السُّمُومِ لِتَفْرِيقِ الأُمَّةِ وَتَمْزِيقِ شَمْلِهَا؟ كَيْفَ لَوْ رَأَى الفَوَاحِشَ التي تُرْتَكَبُ جِهَارَاً نَهَارَاً، مِنْ كُفْرٍ بِاللهِ تعالى، وَسُفُورٍ وَتَبَرُّجٍ، وَتَحْرِيضٍ على الفَوَاحِشِ؟
لَوْ كُنَّا عُقَلَاءَ لَخَشِينَا اللهَ تعالى:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَعْظَمَ مَا يَجِبُ أَنْ نَخْشَاهُ إِنْ كُنَّا عُقَلَاءَ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنَاً ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالَاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنَاً﴾.
يَقُولُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَمَّا حَضَرَتْ مُحمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ الوَفَاةُ جَزِعَ، فَدَعَوْا لَهُ أَبَا حَازِمٍ؛ فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ: ابْنَ المنكدر: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾. فَأَخَافُ أَنْ يَبْدُوَ لِي مِنَ اللهِ مَا لَمْ أَكُنْ أَحْتَسِبُ.
فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ جَمِيعَا.ً خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ؛ وَزَادَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ: دَعَوْنَاكَ لِتُخَفِّفَ عَلَيْهِ فَزِدْتَهُ؟!
فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ. /كَذَا في مَوَارِدِ الظَّمْآنِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِصْرَارُ على المَعَاصِي وَتَبْرِيرُهَا قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في سُوءِ خَاتِمَةِ العَبْدِ ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالَاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَنْظُرْ إلى الفَارِقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، جَاءَ في سِيرَةِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ عَنِ المُزَنِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيْ عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
قَالَ: أَصْبَحْتُ مِنَ الدُّنْيَا رَاحِلَاً، وَلإِخْوَانِي مُفَارِقَاً، وَبِكَأْسِ المَنِيَّةِ شَارِبَاً، وَلِسُوءِ أَعْمَالِي مُلاقِيَاً، وَعَلَى اللهِ تَعَالَى وَارِدَاً، فَلا أَدْرِي رُوحِي تَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ فَأُهَنِّيهَا، أَوْ إِلَى النَّارِ فَأُعَزِّيهَا، ثُمَّ بَكَى الشَّافِعِيُّ؛ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَـذَاهِـبِـي *** جَعَلْتُ رَجَائِي نَحْوَ عَفْوِك سُلَّمَاً
تَـعَـاظَـمَـنِـي ذَنْـبِي فَـلَمَّا قَـرَنْـتُـهُ *** بِـعَـفْـوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
وَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ *** تَجُودُ وَتَـعْـفُ مِـنَّـةً وَتَـكَـرُّمَــا
أَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخِتَامِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 3/رمضان /1438هـ ، الموافق: 29/أيار / 2017م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد
فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد
مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد
الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد