131ـ من آداب الدعاء
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ التي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطَهُ، وَآخِرَهُ:
كَمَا جَاءَ في مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ» (القَدَحُ بِفَتْحَتَيْنِ: إِنَاءٌ صَغِيرٌ للشُّرْبِ).
قِيلَ: وَمَا قَدَحُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ، ثُمَّ يَضَعُهُ وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ إلى الشَّرَابِ شَرِبَهُ، أَو الوُضُوءِ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا هَرَاقَهُ.
اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ» انْظُرْ المَوَاهِبَ للقَسْطَلَانِيِّ وَشَرْحِهِ.
وَالمُرَادُ: أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ في أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ في التَّرْغِيبِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ مَوْقُوفَاً، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَالمَوْقُوفُ أَصَحُّ. اهـ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْقُوفَاً قَالَ: إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الإِلْحَاحُ فِيهِ:
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثَاً، وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثَاً.
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدُّعَاءِ». أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ في الكَامِلِ، وَالبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، كَمَا في نُزُلِ الأَبْرَارِ وَغَيْرِهِ.
وَمِنْ مَطَالِبِ الدُّعَاءِ التي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِتَحْصُلَ الإِجَابَةُ تَطْيِيبُ المَأْكَلِ وَالمَشْرَبِ وَالمَلْبَسِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَلَالَاً:
رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تعالى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبَاً، وَإِنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ـ أَيْ: الحَلَالَ ـ وَاعْمَلُوا صَالِحَاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾. وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.
ثُمَّ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ ذَلِكَ إِرْشَادُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الدَّاعِيَ إلى عَدَمِ الاسْتِعْجَالِ، بِأَنْ يَقُولَ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِدُ الإِجَابَةَ، لِمَا وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي».
وَفِي رِوَايَةٍ: «دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي».
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِرِجَالِ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ».
قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟
قَالَ: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي». فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الاسْتِعْجَالَ المَذْمُومَ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَسْأَلَ العَبْدُ رَبَّهُ تَعْجِيلَ الإِجَابَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ في دُعَاءِ الاسْتِسْقَاءِ: «عَاجِلَاً غَيْرَ رَائِثٍ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
تاريخ الكلمة:
الجمعة: 22/ ذو الحجة /1440هـ، الموافق: 23/ آب / 2019م
ارسل إلى صديق |
رَوَى الدَّارَمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ كَعْبَاً ـ أَيْ: كَعْبَ الأَحْبَارِ ـ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ كَعْبٌ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ ... المزيد
بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، ... المزيد
عَادَ خَبَّابَاً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَوْضَ! ... المزيد
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ... المزيد
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ ... المزيد
بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ... المزيد