91- خطبة الجمعة: أثر نعمة الإيمان في حياة المؤمن

91- خطبة الجمعة: أثر نعمة الإيمان في حياة المؤمن

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

نعم الله تعالى لا تحصى:

فإنَّ نعم الله تعالى علينا لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}. وقال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم}.

عندما ذكَّرنا مولانا بأنَّه هو مصدر النِّعَم ذكر صفته بأنَّه غفور رحيم، وعندما ذكر المنعَم عليه ذكر وصفه بأنَّه ظلوم كفَّار، لأنَّ الكثير من الخلق من يأخذ نعمة الله تعالى فيعصي الله تعالى فيها، وهذا كفر بالنعمة وظلم للنفس.

هل ينتفع العبد بجميع النعم؟

أيُّها الإخوة هناك كثير من النعم التي أسبغها الله تعالى على خلقه قد لا ينتفع العبد منها، قد يعطيك الله تعالى نعمة المال فلا تنتفع منه، وقد يعطيك نعمة الجاه ولا تنتفع منها، وقد يعطيك نعمة الزوجة والولد ولا تنتفع منها، وقد يعطيك نعمة الرياسة والريادة ولا تنتفع منها.

بل أقول: قد تتحوَّل هذه النعمة في ساعة من الساعات إلى نقمة عليك والعياذ بالله تعالى، تصوَّر قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون}. أيُّ نعمة هذه إذا كانت هذه نتيجتها؟

تصوَّر قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}. أيُّ نعمة هذه إذا كانت نتيجتها الكفر بالله والعياذ بالله تعالى؟ ومثل ذلك عن فرعون الذي آتاه الله الملك فقال لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}. وقال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}. أيُّ نعمة هذه؟

حتى تبقى النعمة نعمة وتنتفع منها في جميع عوالمك يجب عليك أن توظِّفها فيما خُلِقت من أجله، فمن جعل نعم الله تعالى عليه فيما خُلِقَت من أجله انتفع من هذه النعم في مراحل حياته كلِّها، انتفع منها في حياته الدنيا، وفي حياته البرزخية، وفي الحياة الآخرة.

هل تدوم النعم؟

أيُّها الإخوة الكرام: إن نعم الله تعالى علينا قد تدوم وقد تزول، ولكن في نهاية المطاف لا بدَّ من الفراق، فالنعم إما أن تفارقك وأنت على قيد الحياة، وإما أن تفارقها أنت بالموت، يقول صلى الله عليه وسلم: (عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به) رواه الحاكم.

أعظم النعم نعمة الإيمان:

أيُّها الإخوة الكرام: إن كنا حريصين على بقاء النعم فلا إشكال في ذلك أبداً، ولكن أقول: يجب علينا أن نكون حريصين على أعظم نعمة أسبغها الله تعالى علينا، هذه النعمة إن دامت لك انتفعت منها ولن تتضرَّر أبداً، هذه النعمة إن حرصت عليها انتقلت معك في جميع عوالمك لتنتفع منها، ألا وهي نعمة الإيمان، فلنحسن جوار هذه النعمة، يقول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة: (يَا عائشةَ! أحسني جِوارَ نِعَمِ اللهِ، فإنها قَلَّ مَا نَفَرتْ عَن أهلِ بيتٍ ، فَكادتْ أنْ تَرجعَ إليهمْ) رواه الترمذي.

نعمة تعطيك سعادة في جميع مراحلك:

هذه النعمة العظيمة، والتي مَنَّ الله عز وجل بها عليك تجعلك في سعادة في الحياة الدنيا وفي الحياة البرزخية، وفي الحياة الأخروية، تجعلك سعيداً في الدنيا، وذلك لوعد الله الذي لا يُخلَف، يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}.

وتجعلك سعيداً في حياتك البرزخية، حيث يكون قبرك روضة من رياض الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ) رواه الترمذي.

وتجعلك سعيداً في أرض المحشر، حيث تكون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، يقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ فَاجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) رواه مسلم. ولولا نعمة الإيمان ما كان العبد عادلاً في إمامته، ولا كان شاباً نشأ في عبادة الله، ولا تعلَّق قلبه بالمساجد، ولا أحبَّ أخاه في الله، ولا ترك الفاحشة، ولا أخفى صدقته، ولا ذكر الله تعالى خالياً، نعم بركةُ الإيمان بالله واليوم الآخر جعلته هكذا.

نعمة الإيمان تجعلك سعيداً في الجنة حيث تتمتع فيها بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، مع الذين أنعم الله عليهم، قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}. وأعظم نعيم تسعد فيه عندما تكون من أهل هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}. اللهم اجعلنا منهم.

فهذه النعمة تجعلك سعيداً في جميع عوالمك مع وجود الشدائد والمصائب، فأنت سعيد في الدنيا مع شدَّة الابتلاءات، ونسأل الله العفو والعافية، أنت سعيدٌ في برزخك حيث جعله الله روضة ولم يجعله حفرة، أنت سعيد في آخرتك والناس في أرض المحشر تحت أشعة الشمس، أنت سعيد في آخرتك وبعض الناس سيقوا إلى جهنم وبئس المصير.

الإيمان هو الذي جعلك سعيداً بإذن الله تعالى، أسأل الله تعالى أن لا يحرمنا منها ولا بلحظة من اللحظات.

نعمة الإيمان تبقيك مكرَّماً:

أيُّها الإخوة: لا نشك بانَّ الله تعالى كرَّم الإنسان، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. ولكن هذا العبد المكرَّم قد يردُّ من التكريم إلى الإهانة عندما يُعرِض عن شرع الله عز وجل، عندما يُعرِض عن الإيمان، قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}. وقال أيضاً: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}. هذا العبد المُكرَّم أراد الله تعالى أن يُشَرِّفه فكلَّفه، فإذا ترك التكليف رُدَّ هذا العبد من التكريم إلى الإهانة والعياذ بالله تعالى، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}. وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين}.

فبنعمة الإيمان يزداد إكرام الله تعالى لك، فتنتقل من إكرام إلى إكرام، ومن رفعة إلى رفعة، ومن درجة إلى درجة، قال تعالى: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى}.

نعمة الإيمان تُذيقك حلاوة لا مثيل لها:

أيُّها الإخوة: بنعمة الإيمان تذوق حلاوة لا مثيل لها، حلاوة تستهين بها كل الشدائد، وتسمو فوق المصاعب والمتاعب، قال صلى الله عليه وسلم: (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه مسلم.

بهذا الإيمان تصنع الأعاجيب، وبحلاوته تُحير ألباب الذين حُرموا نعمة الإيمان، تذكرون أيُّها الإخوة قصة سيدنا عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه عندما أسرته الروم، فقال له الطاغية: تنصَّرْ وإلا ألقيتك في البقرة من نحاس [وهي قِدْر كبير]، قال: افعل، فدعا بالبقرة النحاس فمُلِئت زيتاً وغُلِيت، ودعا برجل من أسارى المسلمين، فعرض عليه النصرانية فأبى، فألقاه في البقرة، فإذا عظامه تلوح. فقال لعبد الله: تنصَّرْ وإلا ألقيتك، فقال: ما أفعل، فأمر به أن يلقى في البقرة فكتفوه فبكى، فقالوا: قد جزع، قد بكى، قال: رُدُّوه، قال له: لا ترى أني بكيت جزعاً مما تريد أن تصنع بي، ولكني بكيت حين ليس لي إلا نفسٌ واحدة يفعل بها هذا في الله، كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عددَ كلِّ شعرةٍ فيَّ، ثم تُسلَّطَ عليَّ فتفعلَ بي هذا، قال: فأعجب منه وأحب أن يطلقه، قال: قَبِّلْ رأسي وأُطلِقك. قال: ما أفعل، قال: تنصَّر وأزوِّجك ابنتي وأقاسمك ملكي. قال: ما أفعل، قال: قبِّل رأسي وأطلقك، وأطلق معك ثمانين من المسلمين، قال: أمّا هذه فنعم ، فقبَّل رأسه، فأطلقه وأطلق معه ثمانين من المسلمين ، فلما قدموا على عمر بن الخطاب، قام إليه عمر فقبَّل رأسه، قال: فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازحون عبد الله فيقولون: قبلتَ رأس عِلج، فيقول لهم: أطلق الله بتلك القُبلة ثمانين من المسلمين. رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.

حلاوة الإيمان تهوِّن عليك مصائب الدنيا التي أشار الله تعالى إليها بقوله: {وَلَنَبْوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين}.

نعمة الإيمان تجعل منك صاحب خلق حسن:

أيها الأخوة: نعمة الإيمان عظيمة وعظيمة جداً، حيث فيها قوة ذاتية عجيبة تدفعك للتخلّق بالأخلاق الحسنة بدون تكلّف، لأنَّ المؤمن بالله واليوم الآخر حريصٌ على أن يكون أقربَ الناس من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثمن ذلك القرب هو الخلق الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أقربكم مني مجلساً أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون) رواه الطبراني.

نعمة الإيمان تجعلك متعشِّقاً لصفات الكمال:

أيُّها الأحبة في الله: نعمة الإيمان تجعل من العبد المؤمن الصادق في إيمانه باحثاً عن كل ما يزيد في إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: (الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَفْضَلُهَا لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، وَأَوْضَعُهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ) رواه النسائي.

نعمة الإيمان تجعلك مستقيماً:

أيُّها الإخوة بنعمة الإيمان تكون مستقيماً، لأنَّ الإيمان يولِّد في قلبك الخشية من الله تعالى، ومن تولَّدت في قلبه الخشية كان مستقيماً على شرع الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون}.

فالمؤمن صاحب قلب وَجِل، يخاف الله تعالى، ومن خاف الله تعالى أمَّنهُ الناسَ، لأنَّه لا شرَّ عنده، صاحب القلب الوَجِل يعشقه الناس لأنَّه يخاف الله تعالى، فيتمنَّى الناسُ جوارَه، ويتمنَّى الناسُ صحبتَه، ويتمنَّى الناس أن يزوِّجوه ويتزوَّجوا من عنده، يتمنَّى الناس مشاركته، وتتمنَّى صحبته في الدنيا والآخرة.

حافظوا على هذه النعمة:

أيُّها الإخوة: كلُّ العقلاء يحافظون على النعمة إن وجدت عندهم، وهذا شيء حسن، ولكن جدير بالعاقل الذي يحرص على النعم لتدوم، أن يكون أشدَّ الناس حرصاً على نعمة الإيمان التي تُسعده في جميع العوالم.

حافظوا على نعمة الإيمان أيُّها الإخوة، وخاصة في زمن نعوذ بالله أن ندركه حيث يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً.

حافظوا على نعمة الإيمان حتى يغبطكم على سعادتكم الملوك والأمراء وأصحاب المال والجاه، حافظوا على نعمة الإيمان حتى تقولوا كما قال ذلك العبد الصالح: نحن على لذَّة لو علمتها ملوك الأرض لجالدونا عليها بالسيوف.

حافظوا على نعمة الإيمان في قلوبكم بحيث تتفقدون هذه النعمة في ازدياد أم في نقص لا قدَّر الله، لأنَّه قد ينقص الإيمان لا قدَّر الله حتى يُدخِل صاحبَه النار، تفقَّدوا هذا الإيمان في قلوبكم من خلال مراقبتكم لأنفسكم هل تزيد طاعاتكم لله عز وجل أم تنقص؟ فالإيمان يزيد بالطاعة حتى يُدخِل صاحبَه الجنةَ، وينقص بالمعصية حتى يُدخِل صاحبَه النارَ والعياذ بالله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه مسلم.

تفقَّدْ إيمانك هل هو في ازدياد أم في نقصان؟ وسل نفسك متى تأتي إلى صلاة الجمعة؟ لماذا التأخر في السهر والتأخر عن صلاة الجمعة التي هي أقدس عبادة؟

أسأل الله تعالى لي ولكم زيادة في الإيمان، وأقول هذا القول وكل منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

 

 2008-11-07
 7366
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 1 ]

محمد الجميلي
 2008-11-17

جزاك الله خيراً يا شيخنا الجليل على هذه الخطبة القيمة والمفيدة.

 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

12-04-2024 226 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 226
09-04-2024 480 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 480
04-04-2024 647 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 647
28-03-2024 533 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 533
21-03-2024 942 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 942
14-03-2024 1619 مشاهدة
904ـ خطبة الجمعة: حافظوا على الطاعات والعبادات

فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ عَامِلٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهُ هَدَفٌ يُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لَهُ غَايَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. وَقِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَأْتِي ... المزيد

 14-03-2024
 
 1619

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3159
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412428180
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :