4ـ عملنا مقيّد بالكتاب والسنة
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
فَالتَّصَوُّفُ الحَقُّ هُوَ الالْتِزَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَرْكُ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِ الشَّرْعِ وَرُؤْيَةُ العُذْرِ للخَلَائِقِ وَالمُدَاوَمَةُ عَلَى الأَوْرَادِ وَتَرْكُ الرُّخَصِ وَالتَّأْوِيلَاتِ، هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الطَّرِيقَةِ، مَنْ ضَيَّعَهَا حُرِمَ الوُصُولَ.
يَقُولُ الإِمَامُ الجُنَيْدُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَمَلُنَا مُقَيَّدٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَمِعِ الحَدِيثَ وَيُجَالِسِ الفُقَهَاءَ وَيَأْخُذْ أَدَبَهُ مِنَ المُتَأَدِّبِينَ أَفْسَدَ مَنْ يَتَّبِعُهُ.
وَيَقُولُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا بُدَّ للسَّالِكِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، إِذَا تَرَكَهَا فَلَا تَعْبَأَنَّ بِهِ وَلَوْ كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَهِيَ:
1ـ مُجَانَبَةُ الظَّلَمَةِ.
2ـ وَإِيثَارُ أَهْلِ الآخِرَةِ.
3ـ وَمُوَاسَاةُ ذَوِي الفَاقَةِ.
4ـ وَمُوَاظَبَةُ الخَمْسِ في الجَمَاعَةِ.
كُلُّ عَمَلٍ لَا أَصْلَ لَهُ في الشَّريعَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ، لِأَنَّ السُّنَّةَ حُجَّةٌ عَلَى جَمِيعِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَمَلُ أَحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ مَعْصُومَةٌ وَصَاحِبَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ؛ وَسَائِرُ الأُمَّةِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمُ العِصْمَةُ؛ وَالصُّوفِيُّ كَغَيْرِهِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ العِصْمَةُ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ؛ وَلَكِنَّ الصُّوفِيَّ الحَقَّ لَا يُصِرُّ عَلَى المَعْصِيَةِ فَضْلًا عَنْ تَبْرِيرِهَا وَاسْتِحْلَالِهَا.
مَذْهَبُ الصُّوفِيِّ الحَقِّ هُوَ مَذْهَبُ الفُقَهَاءِ وَالعُلَمَاءِ العَامِلِينَ في الأَحْكَامِ وَمَذْهَبُهُ مَذْهَبُ المُحَدِّثِينَ الذينَ يَرْفُضُونَ الأَحَادِيثَ المَوْضُوعَةَ وَيَأْخُذُونَ بِالأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ في فَضَائِلِ الأَعْمَالِ؛ وَمَذْهَبُهُ في الاعْتِقَادِ مَذْهَبُ السَّلَفِ، فَهُوَ مُنَزِّهٌ غَيْرُ مُشَبِّهٍ، وَلَا يُمَثِّلُ وَلَا يُكَيِّفُ وَلَا يُؤَوِّلُ، بَلْ يُمَرِّرُ كُلَّ ذَلِكَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. إِلَّا إِذَا اقْتَضَتِ الضَّرُورَةُ فَإِنَّهُ يُؤَوِّلُ المُتَشَابِهَ وَفْقَ المُحْكَمِ.
وَيَقُولُ سَيِّدِي أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَحْكِمُوا أَعْمَالَكُمْ عَلَى الأَرْكَانِ الخَمْسَةِ، الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الإِسْلَامُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
عَامِلُوا اللهَ بِالتَّقْوَى، وَعَامِلُوا الخَلْقَ بِالصِّدْقِ وَحُسْنِ الخُلُقِ، عَامِلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالمُخَالَفَةِ، وَقِفُوا عِنْدَ الحُدُودِ ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ عَلَى اللهِ وَالخَلْقِ، فَإِنَّ الدَّعْوَى كَذِبٌ عَلَى اللهِ وَخَلْقِهِ.
كُلُّ العُبُودِيَّةِ مَعْرِفَةُ مَقَامِ العَبْدِيَّةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 28/ ذو القعدة /1446هـ، الموافق: 26/ أيار / 2025م
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَصَّرَهُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، فَمَنْ كَانَتْ بَصِيرَتُهُ نَافِذَةً لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ عُيُوبُهُ، فَإِذَا عَرَفَ الْعُيُوبَ أَمْكَنَهُ الْعِلَاجُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ ... المزيد
فَالتَّصَوُّفُ كُلُّهُ آدَابٌ، فَمَنِ الْتَزَمَ الأَدَبَ وُفِّقَ للأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِلَّا رُدَّ إلى الأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ، مَنِ الْتَزَمَ الأَدَبَ وُفِّقَ للصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ التي تُعَلِّمُهُ الأَدَبَ وَالأَخْلَاقَ، وَتَجْعَلُهُ ... المزيد
فَإِنَّ أَلَذَّ شَيْءٍ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى بِقَلْبٍ حَاضِرٍ؛ وَرَدَ في بَعْضِ الآثَارِ أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: إِلَهِي، أَقَرِيبٌ فَأُنَاجِيَكَ؟ أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيَكَ؟ فَقَالَ: ... المزيد
يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَفْرِضِ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا في حَالِ العُذْرِ، غَيْرَ الذِّكْرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ... المزيد
الذِّكْرُ يُثْمِرُ المَقَامَاتِ كُلَّهَا مِنَ اليَقَظَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَيُثْمِرُ المَعَارِفَ وَالأَحْوَالَ الَّتِي شَمَّرَ إِلَيْهَا السَّالِكُونَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى نَيْلِ ثِمَارِهَا إِلَّا مِنْ شَجَرَةِ الذِّكْرِ، وَكُلَّمَا عَظُمَتْ ... المزيد
الوَاجِبُ عَلَى المُرِيدِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَرَّى بِغَايَةِ جُهْدِهِ مُصَاحَبَةَ الأَخْيَارِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَجْعَلُ الشِّرِّيرَ خَيِّرًا، كَمَا أَنَّ مُصَاحَبَةَ الأَشْرَارَ قَدْ تَجْعَلُ الخَيِّرَ شِرِّيرًا. مَنْ صَحِبَ خَيِّرًا أَصَابَتْهُ ... المزيد