7ـ آداب الذكر
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
فَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَفْرِضِ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا في حَالِ العُذْرِ، غَيْرَ الذِّكْرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا في تَرْكِهِ إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، وَأَمْرَهُمْ بِذِكْرِهِ فِي الأَحْوَالِ كُلِّهَا، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾. أَيْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفِي البَرِّ وَالبَحْرِ، وَالسَّفَرِ وَالحَضَرِ، وَالغِنَى وَالفَقْرِ، وَفِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالسِّرِّ وَالعَلَانِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَيَقُولُ الإِمَامُ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الذِّكْرُ مَنْشُورُ الوِلَايَةِ، وَمَنَارُ الوَصْلَةِ، وَتَحْقِيقُ الإِرَادَةِ، وَعَلَامَةُ صِحَّةِ البِدَايَةِ، وَدَلَالَةُ النِّهَايَةِ؛ فَلَيْسَ وَرَاءَ الذِّكْرِ شَيْءٌ، وَجَمِيعُ الخِصَالِ الـمَحْمُودَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الذِّكْرِ وَمَنْشَؤُهَا عَنِ الذِّكْرِ.
وَقَالَ أَيْضًا: الذِّكْرُ رُكْنٌ قَوِيٌّ فِي طَرِيقِ الحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بَلْ هُوَ العُمْدَةُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى إِلَّا بِدَوَامِ الذِّكْرِ.
وَيَقُولُ سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الهَاشِمِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ، وَرَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مِنْ آدَابِ الذِّكْرِ أَنْ يَتَحَلَّقَ الإِخْوَانُ حَلْقَةً مُحْكَمَةً لَا يُتْرَكُ فُرْجَةٌ بَيْنَهُمْ، لِئَلَّا يَدْخُلَ الشَّيْطَانُ فِيهَا لِلْوَسْوَسَةِ.
وَمِنْ آدَابِ الذِّكْرِ: أَنْ يَكُونُوا أَثْنَاءَ الذِّكْرِ مُغْمِضِي أَعْيُنِهُمْ مُلْقِينَ عَنْ بَالِهِمْ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ العَلَائِقِ سِوَى مَحْبُوبِهِمْ جَلَّ جَلَالُهُ، بِحَيْثُ يُحْضِرُونَهُ سُبْحَانَهُ بِقُلُوبِهِمْ؛ وَاسْمُ اللهِ تَارَةً عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، أَوِ الذِّكْرُ الصَّدْرِيُّ.
ثُمَّ يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَيَنْبَغِي لِلْمُنْشِدِينَ أَنْ يَأْتُوا بِالإِنْشَادِ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالَ الحَضْرَةِ مِنْ خِفَّةٍ وَثِقَلٍ، يُشَوِّقُونَ إِخْوَانَهُمُ الذَّاكِرِينَ إِلَى المَذْكُورِ، فَيُغَيِّبُوهُمْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَيَقُولُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الدَّرْدِيرُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَيَتَأَكَّدُ عَلَى مُنْشِدِ القَوْمِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ كَلَامَهُ إِلَّا فِيمَا جَعَلَهُ أَهْلُ اللهِ لَهُ، وَأَنْ لَا يَطْلُبَ بِإِنْشَادِهِ الدَّرَاهِمَ كَمَا يَقَعُ لِأَكْثَرِ المَحْرُومِينَ، فَإِنْ أُعْطِيَ دَرَاهِمَ قَبِلَهَا إِنْ كَانَتْ حَلَالًا، وَلَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَإِلَّا رَدَّهَا، وَأَنْ يَتَخَلَّقَ بِمَا يَقُولُهُ، وَإِلَّا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. وَأَنْ يَكُونَ سَخِيًّا حُلْوَ الكَلَامِ مُحِبًّا لِإِخْوَانِهِ مُتَوَاضِعًا لَهُمْ، يُنْشِدُ بِالكَلَامِ المُهَيِّجِ عَلَى الذِّكْرِ المُقْتَضِي لِلْجَمْعِيَّةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ ذِكْرِهِ، وَأَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ الأَدَبِ أَثْنَاءَ ذِكْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الخميس: 9/ ذو الحجة /1446هـ، الموافق: 5/ حزيران / 2025م
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَصَّرَهُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، فَمَنْ كَانَتْ بَصِيرَتُهُ نَافِذَةً لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ عُيُوبُهُ، فَإِذَا عَرَفَ الْعُيُوبَ أَمْكَنَهُ الْعِلَاجُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ ... المزيد
فَالتَّصَوُّفُ كُلُّهُ آدَابٌ، فَمَنِ الْتَزَمَ الأَدَبَ وُفِّقَ للأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِلَّا رُدَّ إلى الأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ، مَنِ الْتَزَمَ الأَدَبَ وُفِّقَ للصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ التي تُعَلِّمُهُ الأَدَبَ وَالأَخْلَاقَ، وَتَجْعَلُهُ ... المزيد
فَإِنَّ أَلَذَّ شَيْءٍ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى بِقَلْبٍ حَاضِرٍ؛ وَرَدَ في بَعْضِ الآثَارِ أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: إِلَهِي، أَقَرِيبٌ فَأُنَاجِيَكَ؟ أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيَكَ؟ فَقَالَ: ... المزيد
الذِّكْرُ يُثْمِرُ المَقَامَاتِ كُلَّهَا مِنَ اليَقَظَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَيُثْمِرُ المَعَارِفَ وَالأَحْوَالَ الَّتِي شَمَّرَ إِلَيْهَا السَّالِكُونَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى نَيْلِ ثِمَارِهَا إِلَّا مِنْ شَجَرَةِ الذِّكْرِ، وَكُلَّمَا عَظُمَتْ ... المزيد
الوَاجِبُ عَلَى المُرِيدِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَرَّى بِغَايَةِ جُهْدِهِ مُصَاحَبَةَ الأَخْيَارِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَجْعَلُ الشِّرِّيرَ خَيِّرًا، كَمَا أَنَّ مُصَاحَبَةَ الأَشْرَارَ قَدْ تَجْعَلُ الخَيِّرَ شِرِّيرًا. مَنْ صَحِبَ خَيِّرًا أَصَابَتْهُ ... المزيد
فَالتَّصَوُّفُ الحَقُّ هُوَ الالْتِزَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَرْكُ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِ الشَّرْعِ وَرُؤْيَةُ العُذْرِ للخَلَائِقِ وَالمُدَاوَمَةُ عَلَى الأَوْرَادِ وَتَرْكُ الرُّخَصِ وَالتَّأْوِيلَاتِ، هَذِهِ ... المزيد