227ـ أجلنا محتوم

227ـ أجلنا محتوم

كلمة شهر محرم 1447

227ـ أجلنا محتوم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَدَّعْنَا عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ عُمُرِنَا وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، لَا نَدْرِي أَيَنْتَهِي فِيهِ أَجَلُنَا أَمْ لَا.

عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَازِمٌ لَا مَنَاصَ مِنْهُ لِكُلِّ حَيٍّ مِنَ الْأَحْيَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي عَالَمِ السَّمَاءِ أَوْ فِي عَالَمِ الْأَرْضِ، فَكُلُّ ذِي رُوحٍ سَيَمُوتُ، وَلَمْ وَلَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ أَحَدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَوْ كُتِبَتِ النَّجَاةُ لِأَحَدٍ، لَكَانَتْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِ الْحَقِيقَةُ: لَا نَجَاةَ لِأَحَدٍ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.

أَجَلُنَا مَحْتُومٌ:

يَا مَنْ وَدَّعْتَ عَامًا هِجْرِيًّا مَضَى مِنْ حَيَاتِكَ، وَاسْتَقْبَلْتَ عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، اعْلَمْ أَنَّ أَجَلَكَ مَحْتُومٌ وَمَعْلُومٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَلَهُ مِيقَاتٌ مُسَمًّى، لَا تَمْلِكُ قُوَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ أَنْ تُنْقِصَ مِنْ هَذَا الْمِيقَاتِ، أَوْ تَزِيدَ فِيهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي، أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي القَنَاعَةِ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالْمُؤْمِنُ آمِنٌ عَلَى أَجَلِهِ، بِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُ لَنْ يُؤَخَّرَ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ أَنْ يُقَدِّمَهُ، فَأَلْقَى عَنْ كَاهِلِهِ التَّفْكِيرَ فِي الْمَوْتِ، وَالْخَوْفَ عَلَى الْحَيَاةِ، فَمَنَحَهُ ذَلِكَ سَعَادَةً، وَطُمَأْنِينَةً، وَقُوَّةً فِي مُوَاجَهَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا هَدَّدَ الْحَجَّاجُ سَيِّدَنَا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ بِالْقَتْلِ، قَالَ لَهُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ بِيَدِكَ، مَا عَبَدْتُ إِلَهًا غَيْرَكَ. اهـ. فَالْمُؤْمِنُ آمِنٌ عَلَى أَجَلِهِ، وَيَقُولُ: نِعْمَ الْحَارِسُ الْأَجَلُ.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ.

قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا رَاحِلٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَكُلُّ رَاحِلٍ هُوَ وَاحِدٌ مِنِ اثْنَيْنِ، فَانْظُرْ نَفْسَكَ مِنْ أَيِّ الصِّنْفَيْنِ أَنْتَ.

أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟

قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».

كُلُّ رَاحِلٍ سَيُذْكَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ، فَانْظُرْ نَفْسَكَ: مِنْ أَيِّ الصِّنْفَيْنِ أَنْتَ؟

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ».

وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ».

قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقُلْتَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ، فَقُلْتَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِيُفَكِّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا، هَلْ بِمَوْتِهِ يَسْتَرِيحُ، أَوْ يُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ وَهَلْ يُثْنِي النَّاسُ عَلَيْهِ خَيْرًا أَمْ شَرًّا؟ ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾. وَلَوِ اسْتَطَاعَ الإِنسَانُ أَنْ يَخْدَعَ النَّاسَ جَمِيعًا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدَعَ نَفْسَهُ أَبَدًا.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ، مَضَى عَامٌ هِجْرِيٌّ مِنْ حَيَاتِنَا، وَسُجِّلَ فِيهِ مَا سُجِّلَ، وَسَيُذْكَرُ بَيْنَ النَّاسِ مَا سُجِّلَ فِيهِ، فَبِالْأَثَرِ تُعْرَفُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَعِنْدَ النَّاسِ.

فَمَا هُوَ الْأَثَرُ الَّذِي أَبْقَيْنَاهُ فِي الْعَامِ الْمُنْصَرِمِ؟

تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَعْمَارَنَا فِي طَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ مِنَّا مَا كَانَ فَاسِدًا، وَتَقَبَّلِ اللَّهُمَّ مِنَّا مَا كَانَ صَالِحًا، وَاجْعَلْ مَوْتَنَا رَاحَةً لَنَا، لَا مِنَّا. آمِينَ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/ محرم /1447هـ، الموافق: 26/حزيران / 2025م

 2025-06-24
 623
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

18-09-2025 320 مشاهدة
230ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن

القُرْآنُ العَظِيمُ كَالشَّمْسِ، وَالشَّمْسُ لَا تُؤَثِّرُ إِلَّا فِيمَنْ يَتَعَرَّضُ لَهَا، وَكَذَلِكَ القُرْآنُ العَظِيمُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ التَّعَرُّضَ لَهُ، بَلْ وَيَزِيدُ القُرْآنُ العَظِيمُ عَلَى شَمْسِ الدُّنْيَا، ... المزيد

 18-09-2025
 
 320
24-08-2025 613 مشاهدة
229ـ طريق المحبة

فِي إِطْلَالَةِ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَنْوَرِ، شَهْرِ مَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَقُولُ: لِنُتَرْجِمْ حُبَّنا لِسَيِّدِنا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ... المزيد

 24-08-2025
 
 613
26-07-2025 711 مشاهدة
228ـ المعصية نوعان

المَعْصِيَةُ نَوْعَانِ، مَعْصِيَةٌ فَرْدِيَّةٌ، وَمَعْصِيَةٌ جَمَاعِيَّةٌ. فَالمَعْصِيَةُ الفَرْدِيَّةُ يَرْتَكِبُهَا صَاحِبُهَا مُسْتَتِرًا، يَتَوَارَى عَنْ أَنْظَارِ النَّاسِ، لَا يُجَاهِرُ بِهَا افْتِخَارًا وَتَحَدِيدًا لِمَشَاعِرِ المُسْلِمِينَ ... المزيد

 26-07-2025
 
 711
27-05-2025 623 مشاهدة
226ـ هل من مغتنم؟

هَذِهِ العَشْرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَبْوَابُ التَّنَافُسِ فِيهَا قَدْ فُتِحَتْ، فَهَلْ مِنْ مُنَافِسٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى؟ فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ... المزيد

 27-05-2025
 
 623
30-04-2025 589 مشاهدة
225ـ لا تحزنوا فالله معكم

الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ يُخْرِجُ العَبْدَ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَيَجْعَلُهُ فِي حَالَةِ ارْتِبَاطٍ بِاللهِ تَعَالَى وَاليَوْمِ الآخِرِ، الإِيمَانُ هُوَ دِرْعُ وَسِلَاحُ وَمَنَارُ المُؤْمِنِ وَقْتَ الشَّدَائِدِ القَاسِيَةِ، ... المزيد

 30-04-2025
 
 589
06-04-2025 772 مشاهدة
224ـ ما أجمل الأتقياء وأكرمهم

مَا أَجْمَلَ الأَتْقِيَاءَ وَأَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، تَآلَفَتْ قُلُوبُهُمْ فِي اللهِ تَعَالَى وَعَلَى طَاعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ... المزيد

 06-04-2025
 
 772

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5703
المقالات 3248
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 427923251
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :