السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: فضيلة شيخنا الحبيب: قرأت الفتوى المتعلقة بسفر المرأة في الطائرة، وفهمت منها التحريم، وهنالك فتوى لمجمع الفقه الإسلامي هذا نصها:
قرار المجلس:
حكم استئذان المرأة عند الخروج من المنزل:
وهو أمر واجب على المرأة إذا أرادت الخروج من المنزل بالنسبة للمرأة إن كان للعمل أو الدراسة أو لقضاء شؤون المنزل والأولاد، فإن هذا الخروج لا يحتاج إلا إلى موافقة عامة من الزوج، ولا تحتاج الزوجة أن تستأذن في كل مرة، وهذا أمر يحكمه العرف.
أما إذا كان هذا الخروج إلى زيارة أسرة غير معروفة عند الزوج، أو أن هذا الخروج يترتب عليه مبيت خارج بيت الزوجية، فهذا لا بد فيه من إذن وموافقة الزوج. فإن لم يوافق لا يصح للمرأة الخروج. والخلق الإسلامي يقتضي أن الرجل أيضًا إذا أراد أن يسافر أو يبيت خارج المنزل أن يخبر زوجته بذلك؛ لأن من حقها أيضًا أن تعرف مكان زوجها عند غيابه من المنزل.
حكم سفر المرأة دون محرم:
وهذا الأصل فيه عدم الجواز؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها).
ومن هذا النص العام قال بعض أهل العلم بعدم جواز سفر المرأة وحدها.
وقيد آخرون جواز السفر بوجود رفقة مؤمنة من الرجال أو من الرجال والنساء معًا.
والنهي في الحديث معلل بالخوف على المرأة من الأذى الذي قد يلحقها، وبالفتنة إذا سافرت وحدها، خاصة وأن مخاطر الأسفار قديمًا كثيرة. وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أذن لأمهات المؤمنين أن يسافرن إلى الحج مع الرفقة المؤمنة، وأرسل معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: (فإن طالت بك حياة لترَيَنَّ الظَّعينة ترتحلُ من الحِيرَة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله). وهذا يؤكد أن العلة هي الخوف، فإن تحقق الأمن وانعدم الخوف جاز للمرأة أن تسافر، خاصة إذا نظرنا إلى سهولة السفر في الوقت الحاضر، وأصبح السفر في الطائرات والقطارات والحافلات، وفي جميع هذه الوسائل تتحقق الرفقة ويتحقق الأمن للمرأة المسلمة.
هذا في السفر الذيتسافره المرأة من مدينة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر، وتصل في نفس اليوم الذي سافرت فيه حيث تجد الرفقة الآمنة. أما إذا كان السفر يتطلب مبيتاً في الطريق كالفنادق، أو أن السفر للقيام بعمل معين يتطلب إقامة مدة معينة، فالأصل في هذه الحالة أن تسافر المرأة مع محرم لها، أو تقيم المدة المطلوبة مع أسرة مسلمة في ذلك البلد، سدًا لذريعة الفتنة أو الأذى الذي قد يحصل للمرأة.
وأخيراً: فإن المجلس يوصي الآباء بتربية بناتهم، والأزواج بتربية زوجاتهم على منهج الله تعالى، فالمرأة المسلمة إذا أخذت حقها في التربية والتوجيه وتعلمت أحكام شرعها وفقهت دينها كان ذلك هو الضمان الأساسي للاستقامة على منهج الله تبارك وتعالى.
(الدورةالخامسة)
فأرجو التكرم بالبيان والتوضيح. أخوكم في الله تعالى محمد مصطفىالدبك
الجواب:
أخي الحبيب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحفظكم الله تعالى من كل سوء، وجعلنا الله وإياكم مصابيح هدى، وجعل الله علمنا حجة لنا لا علينا يوم القيامة.
أما بعد: فبالنسبة لاستئذان المرأة عند الخروج من المنزل هو كما ذكر في فتوى مجمع الفقه الإسلامي - وأنا ما عرفت أي مجمع هو ولا تاريخه؟ - حيث أجمع الفقهاء على وجوب استئذان المرأة زوجها عند خروجها من منزله، لأن احتباسها حق له، فإن خرجت من غير إذنه فله أن يؤدبها كما شرع الله تعالى في القرآن - ولا يؤدبها كما اعتاد الكثير من الناس بطرق غير مشروعة، كالضرب المبرح والإهانة وقفل الباب عليها وغيرها من الطرق التي تنفر المسلمة من دينها -.
واستثنى الفقهاء من ذلك خروج المرأة بغير إذن زوجها في حالة النفير العام بهجوم العدو على المسلمين. واستثنى الحنفية من ذلك خروجها لخدمة أبيها الزَّمِن الذي ليس له من يخدمه، وخروجها للاستفتاء في حادثة وقعت لها، ولا يوجد من يعرفها حكم الشرع فيها إن لم تخرج، وهذا الحكم الأخير إن خشيت أن تقع في محظور إن لم تعرف الحكم.
وأما استئذان الرجل للمرأة في الخروج أو السفر فلا يجب عليه، ولكن من الأخلاق السامية في حياة المؤمن أن يعلم زوجته في خروجه وفي سفره، لأن هذا يزيد من الألفة والمحبة بين الزوجين. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن السيدة عائشة رضي الله عنها إذا أراد أن يقوم للعبادة، كما حدثت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: أتاني ليلة فدخل معي في فراشي - أو قالت في لحافي - حتى مس جلدي جلده، ثم قال: (يا ابنة أبي بكر ذريني أتعبد لربي فقالت: قلت: إني أحب قربك لكني أوثر هواك، فأذنت له) أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما أجمل المسلم المتبع وخاصة في آونة كثر فيها التهجم على دين الله عز وجل، فلنظهر الإسلام العملي في حياتنا، ولنذكر الحديث: (كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله أن يؤتى الإسلامُ من قبلك) رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.
أما سفر المرأة بدون محرم:
فقد اتفق الفقهاء على أنه يحرم على المرأة أن تسافر بمفردها، وأنه لا بد من وجود محرم أو زوج معها، وذلك لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة). ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم). فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج؟ فقال: (اخرج معها) أخرجه البخاري ومسلم. ولما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها).
وأما ما ذكر في فتوى المجمع من جواز السفر بدون محرم، فمع الاحترام والتقدير للمجمع وللسادة العلماء القائمين عليه أقول:
أولاً: جواز خروجها بدون زوج أو محرم بوجود رفقة مأمونة من الرجال والنساء والأولى أن يجتمعا، هذا عند المالكية لأداء فريضة الحج - لا حج النافلة -.
وعند الجمهور: لا يجب عليها الحج ولا تخرج إليه إلا مع محرم أو زوج، للأحاديث الصحيحة الصريحة السابقة في الذكر. وليس في أي سفر كما تفعله بعض النساء اليوم.
ثانياً: وما ذكره المجمع بأن النهي معلل بالخوف على المرأة من الأذى الذي يلحقها، وبالفتنة إذا سافرت وحدها، فمن أين جاء هذا التعليل أنا لا أعلم، وإن صح التعليل فهل أمنت الفتنة اليوم؟
وكلنا يعلم بأن الفتنة تزداد يوماً بعد يوم، وخاصة بعد وجود القنوات الفضائية الداعية إلى الفتنة والاختلاط وإثارة الشهوات صباحاً ومساء، عدا بعض القنوات، والقليل لا حكم له. وإضافة إلى القنوات الفضائية المواقع الإباحية على الإنترنت، إضافة إلى المجلات والصحف، إضافة إلى قلة الوازع الديني عند الكثير من الرجال والنساء، إضافة إلى جرأة المرأة في الاختلاط، وما أكثر الفتن في هذا المجتمع، ولا أظن بأن عاقلاً في الدنيا يخالف هذا الكلام، وأضف إلى ذلك خداع الرجال للنساء.
ثالثاً: وأما مخاطر السفر فما أكثرها وخاصة في البر، وإن قلَّت المخاطر في الجو إلا أن الفتن في السفر جواً ازدادت، حتى في الجو قد تحصل مخاطر، فإذا حصلت المخاطر والمرأة ضعيفة كم سيندم الزوج أو المحرم؟ فهل يضمن الرجل أمن السفر من المخاطر، ويضمن أمن الفتنة؟ وحادثة واحدة لا قدر الله قد تكون بعض محارمك هي الضحية وهي العبرة للغير، فأي مسلم عاقل يرضى هذا؟
ومن يسافر في البر يعلم كثرة المخاطر وكثرة الفتن، فلنتق الله عز وجل، وصدق الله القائل: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}. والأخذ بالأحوط أولى، وذلك من أجل سلامة أعراضنا. نسأل الله لنا ولهم السلامة.
رابعاً: وحديث عدي رضي الله عنه، أين الدلالة فيه على سفر المرأة بدون زوج أو محرم؟ الحديث الشريف والله تعالى أعلم يدل على انتشار الأمن بفضل الله عز وجل، ولم تذكر الأحاديث الشريفة سفر المرأة بدون محرم إذا حل الأمن، على العكس كل الأحاديث تذكر حرمة السفر بدون محرم أو زوج، وذلك من أجل سلامة أعراضنا، وإذا انتشر الأمن في الدنيا، إلا أن الفتنة قد يقع فيها الإنسان، وذلك بوجود النفس الأمارة بالسوء والشيطان، وما منا إلا وله شيطان، كما جاء في الأحاديث، فمن هو الضامن لنفسه ولعرضه من الفتنة؟
والأمن إذا انتشر، وقلنا بجواز السفر في الجو بدون محرم، فلماذا نفرق بين سفر البر والجو؟ مع العلم بأن الحديث الشريف يفيد أمن البر، فلماذا نقول بجواز السفر جواً، ولا نُجيزه براً؟ أليس خوفاً من الفتنة؟ هذا، والله تعالى أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا تنسني من دعوة صالحة.
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
فالفَتوى فَرضٌ على الكِفايَةِ، ولم تَكُنِ الفَتوى فَرضَ عَينٍ، لأنَّها تَقتَضي تَحصِيلَ عُلومٍ جَمَّةٍ، فَلَو كُلِّفَها كُلُّ وَاحِدٍ لأَفضَى إلى تَعطيلِ أَعمالِ النَّاسِ ومَصالِحِهِم، لانصِرافِهِم إلى تَحصِيلِ عُلومٍ بِخُصوصِهَا. ... المزيد
هل تسقط صلاة الجمعة عمن أكل الثوم أو البصل؟ أم تجب عليه ويكون آثماً بإيذائه للمسلمين بالرائحة الكريهة؟ ... المزيد
سؤال: هل هناك حرج شرعي من الاطلاع على هاتف الزوج الخاص به، حيث جعل له رقماً سرياً، وبإمكاني اختراق هذا الرقم؟ ... المزيد
سؤال: هل يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها أثناء العقد أن لا يتزوَّج عليها؟ ... المزيد
سؤال: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل كسكرتيرة بسبب حاجتها المادية؟ ... المزيد
سؤال: ما حكم الشرع في حديث الرجل مع المرأة الأجنبية من غير ضرورة؟ ... المزيد
