82ـ نحو أسرة مسلمة: دعوى طاعة الزوج في التبرُّج

82ـ نحو أسرة مسلمة: دعوى طاعة الزوج في التبرُّج

 

خلاصة الدرس الماضي:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد عرفنا في الدرس الماضي بأنَّه من الحجج الواهية التي تقدِّمها المرأة لرفض الحجاب بأنَّ الحجاب من التزمُّت والتشدد في الدين، وذلك لقوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. ولقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}. ولقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

وعرفنا بأنَّ فرضية الحجاب على المرأة المسلمة من اليسر في الدين، ومن التكليف الذي هو بوسع المرأة المسلمة، وبأنَّ المرأة إذا دخلت في دين الله عز وجل وآمنت بالله ورسوله فإنها تُلزِم نَفسها بما فرضه الله عز وجل عليها، وذلك لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}.

طاعة الزوج في التبرج:

أيها الإخوة الأحبة: هناك بعض النساء تبرِّرُ تبرُّجها بأنَّ زوجها يرغب بذلك ويطلب منها أن تخرج متبرجة لأنَّه لا يحب الحجاب ويكره أن يرى زوجته متحجبة، ويُسوِّل لها شياطين الإنس والجن بأنَّ طاعة الزوج مطلوبة، ولا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها فيما يأمر وينهى، ويستندون على بعض أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب طاعة الزوجة لزوجها، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ الله لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رواه أبو داود عن قيس بن سعد رضي الله عنه. ومن مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) رواه ابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.

والعجيب في المرأة بأنه إذا طالبها زوجها بحقٍّ من حقوقه الشرعية تراها تتأبى عليه، وتقع في المخالفة الشرعية لأمر ربها الذي أمرها بطاعة زوجها ضمن حقوقه الشرعية.

وأما إذا طلب منها طلباً غير شرعي ووافق الطلب هواها فربما أن تسرع لاستجابة أمره مستندة على أحاديث وجوب الطاعة للزوج، والحقيقة أن هذا الأمر وافق هواها ورغباتها الداخلية فاستجابت له، فعندما يأمر بعض الرجال نساءهم بالتبرج، وإذا كانت المرأة ضعيفة في إيمانها، فإن هذا الأمر يلاقي توافقاً مع حديث نفسها الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض النساء بقوله عنها: (مَا رَأَنِي أَحَدٌ إِلا أَعْجَبْتُهُ) رواه الطبراني عن عبد الله رضي الله عنه.

ولذلك أقول: على المرأة أن تتقي الله عز وجل فيما تدَّعيه، وخاصة في مسألة تبرجها بحيث تلقي هذه المسؤولية على زوجها لأنه أمرها بالتبرج.

الرد على هذه الحجة الواهية:

أولاً: طاعة الزوج مقيَّدة بطاعة الله عز وجل:

لقد جهلت المرأة بأنَّ طاعة الزوجة لزوجها مقيَّدة بطاعة الله عز وجل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم عندما بَعَثَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ النَّارِ فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه مسلم عن علي رضي الله عنه.

فالطاعة لمن له عليك حقُّ الطاعة مقيَّدة في حدود طاعة الله عز وجل، فلا طاعة لأمير ولا لحاكم ولا لزوج ولا لأب ولا لأم إذا كان الأمر في معصية الله عز وجل، وأكبر دليل على ذلك هذا الحديث الشريف، عندما أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السرية أن يسمعوا ويطيعوا أمره، ولكن عندما أمرهم أن يلقوا أنفسهم في النار التي أضرمها قيَّدوا طاعته بطاعة الله ورسوله فرفضوا أمره، وهذا ما ينبغي أن يفعله كل تابع مع متبوعه، بحيث أن تكون الطاعة في معروف، وتبرُّج المرأة من المنكر وليس من المعروف، فإذا أمر الزوج زوجته بالتبرُّج فقد أمرها بمنكر لا بمعروف، فلا طاعة له.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ) رواه الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه.

ثانياً: التنازع في شيءٍ يُردُّ إلى الله ورسوله:

ومن الأمور الطبيعية عند المؤمنين بأنَّه إذا حصل تنازعٌ بين زوجين في قضيةٍ (ما) وجب عليهم أن يردُّوا هذا التنازع إلى الله تعالى وإلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لقوله تعالى: {تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}. ولقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.

فإذا كانت المرأة تريدُ الالتزام بالحجاب والزوج يريد التبرُّج فالحَكَم بينهما كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلٌّ من الزوجين يترك اختياره لما قضى الله عز وجل ولما قضى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: عقد الزواج عهد على الالتزام:

ويجب على كلٍّ من الزوجين في حال التنازع فيما بينهما العودة إلى أساس عقد الزواج بينهما، فما هي الشروط التي وعد بها كلٌّ من الزوجين صاحبه؟

ألم يقل وليُّ الفتاة للزوج: زوَّجتك ابنتي على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ألم يُجِب الزوجُ وليَّ الزوجة بقوله: قبلت زواجها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا هو الإطار العام لعقد الزواج محتواه ومضمونه أنَّ كلاً من الزوجين وافق صاحبه على التقيد بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}. ومن العقود التي يجب الوفاء بها عقد الزواج.

رابعاً: نتيجة سوء الاختيار:

إنَّ من أسباب معاناة المرأة في حياتها الزوجية وخاصة إذا أرادت الحجاب هو سوء اختيار الزوج.

ولهذا ركَّز سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن اختيار الزوج فقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

فعندما تتزوج المرأة على المال والجاه والحسب بدون النظر إلى الدين فهي التي ستدفع الثمن إذا كانت متديِّنة، وإذا لم تكن متدينة قبل زواجها ثم هداها الله تعالى بعد الزواج فهي التي ستعاني من زوجها بسبب قلة دينها والعياذ بالله تعالى.

لذلك كم سمعنا عن نساء كنَّ ملتزمات، تزوَّجن من رجالٍ ليس عندهم التزام، فكانوا سبباً في غوايتهنَّ وفتنتهنَّ، والعياذ بالله تعالى.

خامساً: إرضاء الزوج لا يكون في معصية الله عز وجل:

لذلك نقول: يجب على المرأة أن تعلم بأنَّ إرضاء الزوج في معصية الله تعالى لا يجوز مهما كلَّف الثمن، وعلى المرأة أن تُقنع زوجها بوجوب الالتزام بالحجاب وعدم التبرُّج، فإن أصرَّ على أن تسير في الطريق أو أن تختلط بالرجال وهي متبرِّجة وأصرَّ على موقفه، فلتعلم المرأة بأنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنَّ إرضاء الزوج لا يكون بارتكاب المعاصي، وإنَّما السمع والطاعة له فيما يأمر بما ليس فيه إثم.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: لا، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلاتُ) رواه البخاري.

لذلك يجب على المرأة أن تُرضي ربها ولو كان في ذلك سخط زوجها، ولتحذر من سخط الله إن هي أرضت زوجها في معصية الله تعالى، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ الله مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله وَكَلَهُ الله إِلَى النَّاسِ) رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنه.

أيها الإخوة الكرام: هناك بعض النساء من تُسخِطُ الله عز وجل في سبيل إرضاء زوجها، وهناك من يسُخِطُ الله تعالى في سبيل إرضاء الآخرين عليه، وهذه طامَّة كبرى، نسي هؤلاء بأنَّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء.

السعيد هو الذي يرضي الله عز وجل ولو في سخط الناس، والمحروم الشقي هو الذي يرضي الناس ولو في سخط الله تعالى، فالأول ينال رضى الله عز وجل ويكفيه مولانا عز وجل شرَّ الأشرار، والثاني ينال سخط الله تعالى ـ لا قدَّر الله تعالى ـ ويكله الله تعالى إلى الخلق، ومن وكله الله تعالى إلى الخلق خاب وخسر، ومن دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ) رواه الإمام أحمد وأبو داود.

ورحم الله تعالى السيدة رابعة العدوية عندما كانت تقول:

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب

فالمرأة العاقلة هي التي ترضي الله عز وجل، وتحاول أن تذكِّر زوجها بالله تعالى، ولا توافق زوجها في معصية الله، لأن حياتها لن تستقرَّ بمخالفة أمر الله تعالى، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

لتنظر المرأة عندما أرضت زوجها في سخط الله تعالى هل استقرت حياتها الزوجية؟ لأن المودة والرحمة بين الزوجين هي من عند الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}. فبالشكر لله تعالى يزيد الله تلك المودة والرحمة، وبالمعصية له تعالى تتلاشى تلك المودة والرحمة، ويخون كل واحد منهما صاحبه والعياذ بالله، ويحلُّ الشقاء.

وتنبهوا أيها الإخوة إلى هذه الآية الكريمة: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. الذي يجعل المودة والرحمة هو الله تعالى، ليس الجمال ولا المال ولا الحسب، فكم من امرأة طلِّقت مع وجود جمالها ومالها وحسبها، فلا يجوز للمرأة أن تُخدع بوسوسة الشيطان في أن تنساق خلف أهواء زوجها في معصية الله تعالى ظنَّاً منها بأنها ستربح ودَّ زوجها.

المسؤولية والإثم على الزوجين:

أيها الإخوة الكرام: إنَّ تجاوب المرأة مع زوجها في التبرُّج لا ينفي عنها المسؤولية يوم القيامة، وإن الإثم على الآمر والممتثل للأمر، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم} ويقول تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين}.

ويجب على المرأة أن تعلم بأنَّ زوجها لن ينصرها على الله تعالى يوم القيامة، بل سيفر منها كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه}.

ويجب على المرأة أن تعلم بأنَّ زوجها لن يملك لها من الله شيئاً يوم القيامة، قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه}.

الصلح خير:

أيها الإخوة الكرام: إذا أصرَّ الزوج على موقفه من إلزام الزوجة بالتبرُّج والتنمُّص ووصل الشعر وما شاكل ذلك مما فيه معصيةٌ لله عز وجل، وتعرَّضت الحياة الزوجية للانهيار، فالحل لهذه القضية يكون من خلال قول الله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.

ومن خلال قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

ومن خلال قوله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}. لأن سلامة الآخرة خير سلامة من الدنيا الفانية.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الإخوة الكرام: نهايةً أقول: طاعة الزوج مقيَّدة وليست مطلقة، طاعة الزوج مقيَّدة بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن شذَّ أحد الزوجين عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجب على الآخر أن يذكِّره بالله تعالى وبالالتزام بالعهد الذي قطعه كل واحد منهما على نفسه أثناء عقد الزواج.

كما يجب على المرأة أن تعلم بأن التبرُّج المحرَّم هو عند خروجها من بيتها متبرِّجة أمام الرجال الأجانب، وذلك لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}.

أو عند اختلاطها في البيوت أو المحلات العامة مع الرجال الأجانب، أما زينة المرأة لزوجها فإنها مطلوبة منها شرعاً، وهذا من حقِّه عليها، ولكنَّ كلَّ ذلك مقيَّدٌ بقيود الشريعة، بحيث تكون زينتها من غير تغيير لخلق الله تعالى من وصل ونمص، أو استمتاع في غير مكان الحرث الذي أباحه الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

**     **     **

 

 2010-04-14
 32656
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 

التعليقات [ 1 ]

أحمد منشار
 2010-04-18

نشكركم سيدي على هذه الدرس المفيد نفعنا الله بكم وبعلمكم.

 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4192 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4192
21-01-2018 5061 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 5061
14-01-2018 3658 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3658
08-01-2018 4244 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4244
31-12-2017 4267 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4267
24-12-2017 4067 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 4067

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413049506
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :