94ـ نحو أسرة مسلمة: ثمرات قيام الليل (1)

94ـ نحو أسرة مسلمة: ثمرات قيام الليل (1)

 

مقدمة الدرس:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام: لقد عرفنا في الدرس الأخير توجيه الله تبارك وتعالى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بشأن القرآن العظيم، فقال الله تبارك وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}. وبكون الله تعالى أكرمنا فجعلنا من الأمة التي تشرَّفت بحمل القرآن حيث قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير}. فاللائق بنا أن ننظر إلى توجيه الحبيب لحبيبه، أن ننظر إلى أمر الله تعالى لسيد خلقه ومصطفاه من سائر الناس سيدِنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حيث لا يأمره إلا بما هو خير له في الدنيا والآخرة.

ولقد بيَّن الله عزَّ وجل لنا من خلال القرآن العظيم أنه تبارك وتعالى أمر حبيبه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالتهجُّد بالقرآن العظيم، فالعاقل المحبُّ يأخذ بالأمر، فيتشرَّف بالتأسي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

تهجُّد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أيها الإخوة الكرام: عُرِفَ في الدرس الماضي والذي قبله كيف كان ليل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حين قام من الليل حتى تورَّمت قدماه، مع ما كلَّفه الله تعالى به من أمور أخرى.

نعم لقد قام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بحقِّ العبودية على وجهها الأكمل وصورتها الأتمِّ، وخاصَّة في التهجُّد بالليل، مع ما كان مكلَّفاً به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من تبليغ الرسالة، وتعليم الأمة، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقِّ الأهل والذرية، حتى قال فيه سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروف من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى، فقلوبُنا *** به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافى جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

لننظر إلى قيامه الشريف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مع قيامه بسائر التكاليف، وخاصة في تبليغ الرسالة، ولننظر إلى حالنا نحن، نحن أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بتبليغ آية واحدة، قال: (بلِّغُوا عَنِّي ولَوْ آيَةً ، وحَدِّثُوا عنْ بني إسْرَائيل وَلا حَرجَ ، ومنْ كَذَب علَيَّ مُتَعمِّداً فَلْيتبَوَّأْ مَقْعَدهُ من النَّار) رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه. وعند كلِّ واحد منا زوجة واحدة، فهل نقوم كما قام الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟ قال تعالى: {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه}. الدنيا شغلت القلوب وصرفتها عن الوظيفة التي خُلقت من أجلها إلا من رحم الله تعالى.

قيام الليل لا يحسنه إلا العلماء:

أيها الإخوة الكرام: عندما حُرمنا العلم النافع حلَّ بنا ما حلَّ، وصدق قول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون}. وعندما تأتي سكرات الموت كم وكم يندم العبد عندها، حتى يقول بعضهم: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}. ويقول الآخر: {رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}. ويقول الآخر: {رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِين}. ويقول الآخر: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}.

أما العلماء الربانيون فعلى عكس هؤلاء تماماً، هؤلاء قال الله تعالى فيهم: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب}. القانت الراكع الساجد آناء الليل هل يستوي مع الذي قضى ليله بالنوم والغفلة؟ لا شك لا يستوون، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب}.

يقول حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (من أحبَّ أن يهوِّن الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه).

شهادة الله تعالى لأصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أحبابَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم! لقد رغَّب الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الصحبَ الكرام بالقيام فقاموا، حتى شهد الله عز وجل لهم بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُود}.

لقد قاموا في الليل وتهجَّدوا بالقرآن العظيم مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كما قال تعالى مخبراً عنهم وشاهداً لهم بذلك: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ}. حتى ظهر أثر هذا القيام على جوارحهم، فتنوَّرت وجوههم، ولانت جوارحهم لطاعة الله تعالى، ونشطوا للعبادة:

وإذا حلَّت الهداية قلباً *** نشطت للعبادة الأعضاء

ثمرات قيام الليل:

أيها الأحبة الكرام: لقد رغَّبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقيام الليل لما فيه من ثمار عاجلة وآجلة، دينية ودنيوية وأخروية، فمن ثمرات قيام الليل:

أولا: قيام الليل سبب لدخول الجنة:

جاء في سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلامٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنْ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ). لا شكَّ أن كلَّنا يدعو ربه ليدخله الجنة، ولكن الدعاء بدون عمل لا يكفي، الدعاء مطلوب وهو عبادة بحدِّ ذاته، ولكن الدعاء يحتاج إلى صدق، ومن صدق في دعائه توجَّه إلى العمل، فمن الأسباب الموصلة إلى دخول الجنة قيام الليل كما جاء في هذا الحديث.

وفي حديث آخر رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام).

أيها الإخوة: سلعةُ الله غالية، سلعةُ الله الجنة، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ الله غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ الله الجَنَّةُ) رواه الترمذي. ولكن تحتاج إلى عمل، من جملة العمل قيام الليل.

روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَنْبِئْنِي عَنْ أَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: أَفْشِ السَّلامَ، وَأَطْعِمْ الطَّعَامَ، وَصِلِ الأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، ثُمَّ ادْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ).

شأن المحب أن تقرَّ عينه برؤية من يحب، والمحبُّ الصادق مُتَّبع، والمحبُّ الصادق طائع، لذلك كان بيت سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه لا يخلو من قيام، إما هو وإما زوجته وإما ولده، ينام الواحد ويقوم الآخر، حتى لا تمرَّ ساعة واحدة في بيته إلا وفيها قائم لله عز وجل.

روى البخاري عن أبي عثمان قال: (تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ أَثْلاثًا، يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا).

ثانياً: قيام الليل سبب لدخول الجنة بدون حساب:

أيها الإخوة الكرام: إن قيام الليل سبب لدخول الجنة بدون حساب، فقد جاء في شعب الإيمان للبيهقي عن أسماء بنت يزيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة، فينادي مناد فيقول: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل، يدخلون الجنة بغير حساب، ثم يؤمر بسائر الناس إلى الحساب).

تصوَّر أنك في أرض المحشر، وأنت تسمع هذا النداء: (أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع)؟ فهل أنت ممن يقوم لذاك النداء؟ القائمون قليلون، اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.

ثالثاً: قيام الليل سبب لاستجابة الدعاء:

أيها الإخوة الكرام: إن قيام الليل سبب كبير لاستجابة الدعاء، فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).

هذه الساعة ـ والله تعالى أعلم ـ هي في الثلث الأخير من الليل، لأن ربنا تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ).

ويكون الحق جلَّ جلاله قريباً من عبده في ذاك الوقت، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ).

وروى الإمام مسلم عن أَبي هُريرةَ رضي الله عنهُ أَنَّ رَسولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: (أَقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن ربِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ).

فيا صاحب الهمِّ قف على باب مولاك في السحر، وتهجَّد بالقرآن العظيم، وسل مولاك حوائجك. ورحم الله القائل:

طرقت باب الرجاء والناس قد رقدوا *** وبتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجدُ

فقلت يا أملي في كل نائبةٍ *** يا من عليه لكشف الضر أعتمدُ

أشكو اليك أموراً أنت تعلمها *** ما لي على حَملها صبرٌ ولا جَلَدُ

وقد مددت يدي بالذلِّ مُفتقراً *** إليك يا خير من مُدَّت اليه يدُ

فلا تردَّنَّها يا رب خائبةً *** فبحر جودك يروي كلَّ من يردُ

رابعاً: قيام الليل تشبُّه بالصالحين:

أيها الإخوة الكرام: ومن الشرف العظيم أن يتشبَّه العبد بالصالحين، وربنا عز وجل أرشد سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. وقال لنا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. ومن كثَّر سواد قومٍ حُشِر معهم، فمن تشبَّه بالصالحين في قيام الليل حُشِر معهم بإذن الله تعالى.

روى الإمام الترمذي في سننه عَنْ بِلالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى الله، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ).

إنه لشرف عظيم أن يقوم العبدُ الليلَ، لما فيه من تشبُّه بالصالحين، وتقرب من الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد، وخاصة للعبد الذي يشهد صلاة الفجر في جماعة بعد قيام الليل ويبقى إلى صلاة الضحى.

خامساً: قيام الليل سبب لنيل دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:

أيها الإخوة: كلُّ واحد منا حريص على دعوة من عبد صالح، حريص على دعوة من عبد وهو بجوار الكعبة عند الملتزم، حريص على دعوة من عبدٍ في الروضة الشريفة، فكيف لو كانت هذه الدعوات من سيدنا رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟

جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَحِمَ الله رَجُلاً قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ الله امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ).

وفي رواية للطبراني في المعجم الكبير عنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا مِنْ رَجُلٍ يَسْتَيْقِظُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُوقِظُ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ غَلَبَهَا النَّوْمُ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا مِنَ الْمَاءِ، فَيَقُومَانِ فِي بَيْتِهِمَا فَيَذْكُرَانِ الله عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلا غُفِرَ لَهُمَا).

وفي سنن أبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ).

ما أجمل بيت المسلم عندما يتعاون كلٌّ من الزوجين على طاعة الله تعالى وعلى التقرب منه تبارك وتعالى؟

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الإخوة: لنستغلَّ فصل الشتاء بالقيام، طمعاً بدخول الجنة بسلام، وبنيل ثمرات قيام الليل التي حدَّثنا عنها الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولعل الحديث له صلة في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

وأنا أرجوك يا أخي الحبيب الكريم إذا أكرمك الله بالاستيقاظ سَحَراً أن تذكرني بدعوة صالحة جزاك الله عني خير الجزاء.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبحان ربك رب العزة عمَّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**        **     **

 

 2010-10-13
 40068
الشيخ أحمد شريف النعسان
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  نحو أسرة مسلمة

28-01-2018 4174 مشاهدة
200ـ نحو أسرة مسلمة: اللَّهُمَّ فهمنيها

لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد

 28-01-2018
 
 4174
21-01-2018 5037 مشاهدة
199ـ نحو أسرة مسلمة :مفتاح سعادتنا بأيدينا

كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد

 21-01-2018
 
 5037
14-01-2018 3632 مشاهدة
198ـنحو أسرة مسلمة : بعد كل امتحان ستعلن النتائج

صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد

 14-01-2018
 
 3632
08-01-2018 4226 مشاهدة
197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد

 08-01-2018
 
 4226
31-12-2017 4242 مشاهدة
196ـ نحو أسرة مسلمة :دمار الأسر بسبب الفسق والفجور

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد

 31-12-2017
 
 4242
24-12-2017 4044 مشاهدة
195ـنحو أسرة مسلمة : أين بيوتنا من تلاوة القرآن؟

سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد

 24-12-2017
 
 4044

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 412912029
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :