6ـ عهود رمضانية: العهد السادس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2)

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

أيها الإخوة ذكرنا في الدرس الماضي العهد الذي ينبغي أن نقطعه على أنفسنا ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه الشعيرة من شعائر ديننا كادت أن تفقد في المجتمع إلا من رحم ربي، والسعيد من كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، لأن من سعادة ابن آدم أن يقوم بوظيفة الأنبياء والمرسلين، وأن يقوم بالوظيفة التي خُلِق من أجلها {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وعلى رأس العبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم كما يروي الإمام أحمد في مسنده عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) كان الرجل يلقى صاحبه فيرى عليه منكراً فينهاه بقوله: (اتق الله...) يا أخي اتق الله لا يجوز شرب الدخان، اتق الله لا يجوز لعب الشدة، اتق الله لا تجوز الغيبة، اتق الله لا يجوز أكل الرشوة، اتق الله لا يجوز أكل الربا، وهذا الرجل لا يلتفت إلى الكلام، ثم يلقاه في اليوم الثاني والعبد مُقيم على المعصية، فالمعصية التي صدرت من الجليس لا تمنع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أن يأكل معه ويشرب معه ويجلس معه ظاناً أنه قد أدى واجبه نحوه.

قديماً أيها الإخوة كنا نسمع بأن تارك الصلاة المجتمع كله يهجره ويقطعه حتى يرجع إلى جادة الصواب، وهذا لون من ألوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألم يقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم] تغيره بيدك إن كنت صاحب السلطان والشأن على تغيير هذا الأمر، أنت في بيتك صاحب السلطان، أنت في مدرستك، في مؤسستك أنت صاحب السلطان إذا رأيت منكراً غيِّر هذا المنكر بيدك. فإن لم تستطع بأن لم تكن صاحب السلطان، دخلت إلى مكان ولست صاحب المكان، بيتاً كان أو مؤسسة ولست بصاحب لها، غيِّر هذا المنكر إذا رأيته بلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك وذلك أضعف الإيمان. كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟ تقول: اللهمَّ إن هذا منكر لا أرضاه ولا أقدر على رده، وتقوم من المجلس الذي أنت فيه، لأن قيامك من المجلس الذي فيه منكر أمرٌ بالمعروف ونهي عن المنكر.

أول ما دخل النقص على بني إسرائيل: أحدهم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ثم في اليوم الثاني يبقى المأمور على ما هو عليه فيأتي الآمر يجالسه ويأكل معه ويشرب معه، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصَوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهَون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (كلا والله...) وكلا أداة ردع وزجر أي ما ينبغي أن يكون هذا الفعل (كلا والله لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ولتأخُذُنَّ على يد الظالم ولتأطُرُنَّه على الحق أطراً ولتقصرُنَّه على الحق قصراً). إن لم نفعل هذا حلّت الطامة أيها الإخوة، والطامة قد حلّت في مجتمعنا بسبب عدم الأمر بالمعروف النهي عن المنكر، طبعاً أيها الإخوة هذا يحتاج إلى حكمة، وينبغي أن نتعلم هذه الحكمة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الكتاب والسنة {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.

البعض يظن أن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحتاج إلى علم غزير كثير، تحتاج إلى خبرة واسعة، لا يا أخي، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر من خلال المسألة التي تعرفها من الدين بالضرورة، أنت الآن على سبيل المثال ألا تعلم بأن اختلاط الرجال بالنساء حرام؟ أيوجد أحد لا يعرف هذا الأمر؟ كلنا نعرف بأن الاختلاط حرام، عندما تدخل إلى بيتك وترى الاختلاط قائماً في بيتك، ماذا ستقول لربك عز وجل؟ وأنت تعلم بأن هذا الاختلاط حرام؟ على سبيل المثال: اختلاط زوجة الأخ مع إخوة زوجها، ما رأيكم فيه أجيبوني أحلال هو أم حرام؟؟ حرام، يا هل ترى هل نحن نمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) [رواه البخاري ومسلم] كما قلت لكم البارحة رجل قامت الدنيا ولم تقعد عنده، لأن زوجته لا تريد أن تجلس على مائدة الإفطار مع إخوته، لأنهم اتفقوا مع أهل الزوج قبل الزواج ألا يكون هناك اختلاط، يقول ولي الفتاة: يا أخي أنا أزوجك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الكتاب والسنة ينبغي ألا يكون هناك اختلاط، فيرد الخاطب: لا مشكلة نحن نتشرف وهذا الذي نبحث عنه، بعد ذلك تأتي الأم والأخ والأخت فيقولون: لم نضع مائدتين؟ تكفي واحدة، فيأتي ولي البيت الأب فيقول لابنه: ناد زوجتك لتقعد معنا على مائدة الإفطار، قال له الزوج: لا ترضى، وأصرت المرأة على عدم المجالسة فذهب الرجل وقال لامرأته: أنت طالق بالثلاثة.

سبحان الله! زوجتك تريد أن تلتزم شرع الله وأنت تأمرها بمعصية الله؟ أما يستحي هذا العبد من الله؟

نحن أيها الإخوة نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر أم نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف؟ والعياذ بالله تعالى.

من صور المنكر أنك تدخل إلى بيت أختك أو أخيك أو أحد محارمك فترى بعض النساء من محارمك تلبس الثياب الضيقة، أتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ وهذا الأمر لا يحتاج إلى علم واسع إنما أنت ترى المنكر، ترى ابنة أخيك تلبس هذا اللباس، فهل تأمرها؟

عندما تجلس إلى بيت صديق لك أو قريب وترى وتسمع الغناء، أتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، قال تعالى: {لُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}.

أيها الإخوة الكثير من الناس يقف أمام قول الله عز وجل {كنتم خير أمة أُخرجت للناس} ماذا يقول؟ نحن من خير الأمم، الله قال ذلك، هل إذا انتميت إلى هذه الأمة بالاسم دون العمل أصبحت من خير الأمم؟ لا أبداً، الأمر يحتاج إلى عمل أيها الإخوة، ألم تقل اليهود والنصارى: {نحن أبناء الله وأحباؤه} إذا كان الإنسان من أحباب الله عز وجل أيعذبه الله؟ أرأيت ربك عذّب ولياً من أوليائه، هؤلاء أصحاب دعوى أيها الإخوة قالوا: {نحن أبناء الله وأحباؤه} فأجابهم: {قل فلم يعذبكم بذنوبكم}؟

إذاً: {كنتم خير أمة...} أتعذّب هذه الأمة الآن أم لا؟ تُعذّب لأننا تركنا مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من ذلك، وتعجب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشد، كيف إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشد، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) أخرجه رزين وأبو يعلى والطبراني.

اليوم أرجع إلى مسألة قد يراها البعض بسيطة، ألا وهي: الاختلاط في البيت الواحد، زوجة الأخ مع الإخوة، والزوج مع أخوات زوجته، هل صار عندنا معروفاً أم منكراً؟ صار معروفاً عندنا، وهل يا تُرى هذا الذي صار معروفاً عندنا يجعل الحرام حلالاً؟

اليوم إذا دخلت إلى أي دائرة من الدوائر: المعروف الرشوة قائمة أم لا؟ قائمة، هل يا تُرى إذا صار الأمر معروفاً عند الجميع ينقلب الحكم من حرام إلى حلال، قطعاً: لا.

أيها الإخوة : نحن الآن الجالسون الذين نستمع إلى الدرس ونحن نصلي الفجر في جماعة ومن رواد بيوت الله عز وجل، لماذا لا نغير هذا المنكر في مجتمعنا أيها الإخوة؟ لماذا الاختلاط قائم بيننا ونحن على يقين بأنه معصية لله عز وجل؟ فالآن رأينا المعروف صار منكراً والمنكر صار معروفاً، فلان لا يُخالط نساء إخوته ولا أخوات زوجته، صار رجلاً شاذاً في المجتمع، أنا أسكت وأنت تسكت والأب يسكت والأم تسكت، وانتقلنا بعد السكوت عن المنكر إلى الأمر بالمنكر، ألا يوجد في المجتمع الآن من يأمر بالمعصية وينهى عن الطاعة؟ قال: أعوذ بالله من يفعل ذلك؟ ألا يأمر ولده بالاختلاط؟ ألا يسمح لابنته بذلك؟ كثير أيها الإخوة، بعد أن تتزوج البنت تأتي أم الزوج ويأتي أبوه فيريدان الاختلاط، فيقول أهلها لها: سايري يا ابنتي ولا تخربي بيتك وإنا لله وإنا إليه راجعون.

سكتنا وسكتنا عن هذه المنكرات حتى عمَّ المنكر وصار المنكر معروفاً، فإذا ما أراد الإنسان أن يُغيِّر أو يُبدّل رأينا هذا العبد كأنه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف.

ومن اللطائف أيها الإخوة: رجل زوَّج ابنته منذ أيام، قلت له: هل حياتهم جيدة؟ قال: نعم بفضل الله، قلت له: ألا يوجد اختلاط لابنتك مع أبناء أحمائها؟ قال: لا الحمد لله ابنتي متحجبة تضع الإيشارب وتجلس معهم دون زينة، قلت: أليس هذا اختلاطاً؟ قال: لا يا أستاذ أنت لا تعرف الاختلاط، الاختلاط أن تخرج سافرة ومتزينة أمام أخ زوجها! انظروا أيها الإخوة كيف بدأ النقص في ديننا، وإنا لله وإنا إليه راجعون {فوربَّك لنسألنهم أجمعين عمَّا كانوا يعملون}، ماذا سنقول لربنا سبحانه وتعالى؟ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشد، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً)؟

ما رأيكم نحن أخذنا البارحة على أنفسنا عهداً هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واليوم أكدنا عليه، والأمر بسيط، فالمسألة التي تتعلمها أنت سواء كنت طالب علم أو عالم فعرفت الحكم، انقل هذا الحكم لأسرتك وأهلك، كما كان يفعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كان أحدهم يجلس إلى بعض أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم منه كلمة واحدة، فيرجع إلى بيته فيقول لأهل بيته: كلام رجالكم عليّ حرام، وكلام نسائكم علي حرام حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فصار داعية إلى الإسلام وهو لم يتعلم إلا كلمة الشهادة، فهل ننقلب إلى بيوتنا فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في مسألة الاختلاط، لا تجالس إذا كان أبوك يأمرك بالمعصية لا قدر الله فقل له: لا آكل مع زوجة أخي، هل تستطيع ذلك؟ هل تقدر البنت أن تقول لأبيها: لا أستطيع أن أجلس أمام زوج أختي؟ أرجو الله أن نكون ممن يمتثل أمر الله ويجتنب نهيه، وإلا والله ما الفائدة من حضور مجلس العلم؟ وما الفائدة من احتكاكنا مع طلاب العلم إذا لم نطبق هذه الجزئيات؟ ولذلك عندما نأتي إلى هذه الجزئيات نقول: يا أخي لا تنقصنا هذه، ولا تنقصنا هذه، وهذه لا بأس بها، فتفلتنا من دين الله عز وجل.

أيها الإخوة: الغناء انتشر، وهو كبيرة من الكبائر، والرشوة انتشرت، وهي كبيرة، والربا انتشر وهو كبيرة من الكبائر، فأين الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالحكمة. أرجو الله أن يجعلنا منهم، والحمد لله رب العالمين.