7ـ عهود رمضانية: العهد السابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (3)

العهد السابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (3)

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فما زلنا نتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هناك سمات للإنسان المؤمن، وللمجتمع المؤمن، والمجتمع مكوَّن من أفراد، وأفضل من يعرفنا على سمات المجتمع المؤمن ربنا عز وجل، يقول سبحانه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} فصفة المجتمع المؤمن أنه لا يوجد فيه أحد يقول: أنا عليّ بنفسي ولا علاقة لي بالآخرين. إذاً فالمجتمع المؤمن كلّه مجتمع آمر بالمعروف وناه عن المنكر، الصغير للكبير، والعامي للعالم، والمرؤوس للرئيس، والفقير للغني، والقوي للضعيف، والرجل للمرأة، والولد لوالده، وكذلك العكس. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصحٌ، ومن نصحك فقد خلَّصك، فالمجتمع الإسلامي كله حريص بعضه على بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فما أجمل هذا المجتمع، عندما ترى والدك يأمرك وينهاك، وعندما ترى ولدك يأمرك وينهاك، طبعاً بأسلوب لطيف، لقول الله تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.

وأما المجتمع المنافق فهذه صفته أيضاً من كلام ربنا جل وعلا: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف}، وكل واحد فينا لبنة في المجتمع، فما هو وصفك؟ {بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره}. فمن وجدت فيه هذه الصفة لا قدر الله فليتب منها إلى الله عز وجل، والله عز وجل يقبل التوبة.

إذاً فالمجتمع المسلم حريص كلُّه على كلِّه، يروي الإمام البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).

أيها الإخوة: نحن اليوم لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر، ولذلك كلنا في حالة تعب، ومثال على ذلك الرشوة، فهي قائمة على قدم وساق، وليس هناك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، والمجتمع اليوم يشكو أمره إلى الله عز وجل منها، لأن المجتمع قد هلك بسبب هذه المعصية، ولذلك لو أن المجتمع كان كلُّه آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر لاستقام هذا المجتمع. ولنأخذ على ذلك مثالاً تطبيقياً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يروي ذلك الإمام البخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا الذي لكم، وهذه هدية أُهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً؟) فالموظف لو ترك وظيفته وجلس في بيته، فمن الذي سيهدي إليه؟ فهذا الذي قدم له الهدية بعد انتهاء العمل ألم يكن يراه في المجتمع؟ نحن في هذا البلد أغلبنا نعرف الموظفين الموجودين في دوائر الدولة، فهل خطر ببال واحد منا وهو ليس له عمل في دائرة المالية مثلاً أن يذهب إلى موظف في المالية ويقول له: هذه هدية؟ ولكن يخطر ببالنا عندما يكون عندنا أمر في المالية، إذاً أين الهدية؟ هذه عين الرشوة.

وهذا سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جاءه رجل فقدم له هدية، فردَّها رضي الله عنه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبل الهدية، فقال سيدنا عمر رضي الله عنه: كانت هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحق، وأما لنا فهي رشوة. فهذا الرجل إذا ابتلي بالدفع فلا يكذب على نفسه ويقول: هي هدية، وإنما هي رشوة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً؟) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئاً إلا جاء اللهَ يحمله يوم القيامة، ألا فلأعرفن ما جاء اللهَ رجلٌ ببعير له رغاء، أو ببقرة لها خوار، أو شاة تيعر) ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه فقال: اللهم هل بلغت؟

فيوم القيامة هذا الذي أخذ شاة أو بقرة أو جملاً، سيأتي وهو يحمله على عاتقه، ولنتصور هذا الذي سيحمل الحديد، والإسمنت، واللبن، وما شابه ذلك، وكلها رشاوي، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم بأنه سيأتي بها يوم القيامة لتكون فضيحة له في أرض المحشر. مع أن هذا الصحابي الجليل لم يلعب بالصدقات، وإنما أخذها بكاملها وأهدي له. لذلك فمن أخذ رشوة فسيأتي بها يوم القيامة إذا لم يتب إلى الله عز وجل.

أيها الإخوة: والله نحن نعيش في مجتمع كما ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم المثل بالسفينة، فالسفينة تُخرق أيها الإخوة، السفينة وبدأنا بالغرق، فهل نتدارك أنفسنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ اللهم اجعلنا جميعاً من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، ومن الوقافين عند حدود الله عز وجل. والحمد لله رب العالمين.